لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ [سورة سبأ:15-17].
كانت سبأ ملوكَ اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس - صاحبة سليمان - منهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم، وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ، شَذَر مَذرَ، كما يأتي تفصيله وبيانه قريبًا إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
لما ذكر الله خبر الأصفياء والأولياء ما ذكر من خبر داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام - ذكر حال هؤلاء المكذبين الكافرين الجاحدين لنعمه - تبارك وتعالى.
قوله: تيامنوا يعني ذهبوا جهة اليمن، وكل ما على يمين الكعبة فهو يمن، وماعلى شمالها يقال له: شام، ولذلك هذيل التي في مكة أو قريب منها يقال: هذيل الشامي، وهذيل اليماني قبيلة واحدة، فما كان من ناحية اليمن يقال له: اليماني ومن كان من قبيل ناحية الشام، يقال له: شامي.
وقوله: خثعم وبجيلة قبائل موجودة في الجنوب معروفة إلى اليوم، ويقال: إن بني مالك التي بين الطائف والباحة يقال: إنهم يرجعون إلى بجيلة رهط جرير بن عبد الله البجلي .
في هذا الحديث سئل النبي ﷺ عن سبأ، وسيأتي كلام لأهل العلم في ذلك، سبأ ما هو؟ النبي ﷺ أجاب بهذا الجواب بأنه رجل ولد له عشرة فجاء منهم هذه القبائل وصارت قبائل شامية وقبائل يمنية بعدما تفرقوا حينما انهدم هذا السد سد مأرب، وكتب التاريخ مليئة من الكلام في هذا في القبائل وانتقال القبائل من الشام، ومَن القبائل التي انتقلت وأين استقرت وما تفرع منها، كل هذا تجدونه في كتب التاريخ، وتجدونه في بعض كتب الأنساب، وقول النبي ﷺ بأنه رجل هذا تفسير لسبأ، والله يقول: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ هذا الرجل سأل النبي ﷺ هذا السؤال، سأله عن سبأ سأله عن تفسير الآية، بمعنى أن قوله - تبارك وتعالى -: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ هل يقصد كَانَ لِسَبَإٍ للرجل المعروف الذي اسمه سبأ الذى أراده النبي ﷺ؟ أو المقصود بذلك ولد سبأ الذين كانوا في ذلك المحل – الناحية - هل المقصود به القبيلة، ولد سبأ وليس الرجل المسمى بسبأ؟ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ وقول النبي ﷺ لم يكن تفسيراً للآية، وإنما سئل عن سبأ ما هو؟ هل هو اسم مكان نُسبوا إليه أو أنه اسم لقبيلة أو أنه اسم لامرأة، أو أنه اسم لرجل، يقال بلقيس ملكة سبأ، ذكر النبي ﷺ أنه اسم رجل لكن هل نفسر به الآية الآن ونقول: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ أي للرجل المسمى بـ"سبأ" في مسكنهم آية؟ والقبيلة أو القبائل أو من كانوا تناسلوا منه لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ هذه قراءة الجمهور باعتبار أنه اسم حي، كما نقول اليوم يعني حارة؟ لا، هذا الحي من الناس يعني كالقبيلة ونحوها حي من أحياء العرب، يعني قبيلة من قبائل العرب لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ يعني هذا الحي الذي يقال لهم ذلك أولاد سبأ، لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ بهذا الحي من ذريته من نسله من ولده، والقراءة الأخرى لابن كثير وأبي عمرو لَقَدْ كَانَ لِسَبأَ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ففسر بالقبيلة كان لسبأَ فهم جمع، قبيلة سبأ وممنوع من الصرف لتأويل القبيلة، وقرأ الجمهور بالجمع فِي مَسَاكِنِهِمْ آيَةٌ، وعلى هذه القراءة التي نقرأ بها وهي قراءة حفص وحمزة "في مسكَنهم" يمكن أن يكون أيضاً بأن مسكن مفرد مضاف إلى المعرفة فيكون ذلك بمعنى الجمع، في مسكَنهم ومساكنهم ترجع القراءتان إلى معنى واحد بهذا الاعتبار، وهنا القراءة الثالثة بكسر الكاف في مسكِنهم آية بالإفراد وهي قراءة الكسائي، لكن معنى القراءة يرجع إلى شيء واحد - والله تعالى أعلم -، مسكن والمساكن كل ذلك يرجع إلى معنى واحد والحافظ ابن كثير - رحمه الله - في الأصل علق على هذا الحديث حديث فروة بن مسيك الغطيفي استغربه وقال: إن السورة مكية -سورة سبأ- وإن هذا السؤال كان في المدينة، لكن هل هذا كان إشكالاً حقيقياً يرِد على الحديث؟ هو ليس بسبب نزول فنقول: كيف وقع في المدينة؟ السورة نازلة في مكة، هذا ما هو سبب نزول، واحد يسأل النبي ﷺ عن سبأ فلا إشكال أن يرد السؤال في المدينة وأن تكون السورة نازلة في مكة، والله تعالى أعلم، وهذا الحديث حسنه الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله.
وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبأ في العرب، وكان يقال له: الرائش.
سبأ يعني من السبي، والسبي يكون للعدو في الحرب، وأول من سبأ من السبي، أول من سبأ في العرب وكان يقال له: الرائش.
على هذا القول بأن سبأ لقب له لفعله هذا يزعمون أن اسمه عبد شمس، وهذه القضايا يصعب إثباتها، إذا رجعت إلى كتب التواريخ أو كتب الأنساب كلام كثير في مثل هذه الأنساب كلام كثير في الأسماء، وتجد كلاماً كثيراً في التفاصيل، وفي أصل هؤلاء، والله تعالى أعلم.
واختلفوا في قحطان على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه من سلالة إرم بن سام بن نوح، واختلفوا في كيفية اتصال نسبه به على ثلاث طرائق.
والثاني: أنه من سلالة عَابَر، وهو هود ، واختلفوا في كيفية اتصال نسبه به على ثلاث طرائق أيضًا.
والثالث: أنه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل - عليهما السلام -، واختلفوا في كيفية اتصال نسبه به على ثلاث طرائق أيضا.
يقصد في الثاني والثالث هو اختصر القول الأول، اختصر القولين ذكر الأهم الذي يريد أن يذكره بدلاً من أن يذكر القولين اللذين يرى أنهما بعيدان اقتصر على ما يريد أن ينقله، ما أراد أن يقتصر على قول واحد وأن هذا هو القول الوحيد، قال: اختلفوا على ثلاثة أقوال: الثالث منها هو كذا، هو الذي يريد أن يورده، وأحياناً العلماء يوردون هذا في المختصرات على وجه يتضح، ليس كهذا، بهذه الطريقة ما نعرف القول الأول والثاني، لكن ابن كثير قصد وأراد قولاً منها يرى أنه هو الأقرب أو له وجه ونحو ذلك في المختصرات جداً يوردون هذه الطريقة بوجه يعرف ما تحته فيقولون مثلاً في هذه المسألة الخلاف على قولين والثالث التفصيل، إذاً الأول المنع، والثاني الجواز بإطلاق، والثالث التفصيل هذا تجدونه في المختصرات، يقول: اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال، اختلفوا في ذلك على أقوال: الثالث منها التفصيل، إذاً نعرف القول الأول والثاني، إذا رأيت هذا في المختصرات فافهم هذه القضية تعرف مرادهم، لكن فيما ذكر ابن كثير ما نعرف الأول والثاني فنفهم أنه أراد ما يرى أنه الأقرب وأوجه هذه الأقوال.
وقد ذكر ذلك مستقصى الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر النَّمري - رحمه الله - في كتابه المسمى: "الإنباه على ذكر أصول القبائل الرواة".
ومعنى قوله : "كان رجلا من العرب" يعني: العرب العاربة الذين كانوا قبل الخليل من سلالة سام بن نوح، وعلى القول الثالث: كان من سلالة الخليل ، وليس هذا بالمشهور عندهم، والله أعلم.
إذا كان من سلالة الخليل أي أنه من ولد إسماعيل، أن العرب من ولد إسماعيل فالعرب العاربة: يقولون: كان من قبل ذلك الذين مثل قوم هود وصالح يقولون: إنهم كانوا من العرب وإنهم بادوا و انقرضوا، يقولون: العرب العاربة ثم جاءت العرب المستعربة من ولد إسماعيل، وهذا ليس محل اتفاق بين أهل العلم وإن كان مشهوراً، فإن من أهل العلم من يعترض على هذا ويقول: لا يمكن أن يكون الذين جاءوا من ولد إسماعيل يقال عرب مستعربة يعني ليست أصلية، وأن النبي ﷺ كان من صلب العرب، وأنه أشرف العرب فكيف يقال عنه: إنه من العرب المستعربة؟!، فبعض أهل العلم يعترض على هذا التقسيم أصلاً ويرى أنه لا يوجد عرب عاربة وعرب مستعربة، وإنما كلهم عرب، والمسألة مبسوطة في كلام أهل العلم، معروف في مظانه ليس هذا موضعه، لكن لأن ابن كثير تطرق إليها.
قوله: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم" نسبهم إلى إسماعيل وهم من "أسلم"، وأسلم ترجع إلى قحطان فجعلهم من ولد إسماعيل.
المشلل في الحجاز عند قديد بين مكة والمدينة كما في غزوة المصطلق لما اختصموا عند ماء بالمشلل القصة المعروفة، الجهجاه وهو مولى لعمر لطم الجهني على الماء فقال: يا للأنصار، وقال هذا: يا للمهاجرين، جهني مولى لعبد الله بن أُبيّ فقال: أو قد فعلوها؟! ما مثلنا ومثل هذا إلا كما قال الأول - قبحه الله -: سَمِّن كلبَك يأكلْك، يعني النبي ﷺ والصحابة هذا كان في المصطلق عند ماء بالمشلل، أو عند ماء يقال له: المشلل الآن عند قديد.
كما قال حسان بن ثابت:
إمَّا سَألتَ فَإنَّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ | الأزْدُ نِسْبَتُنَا والماءُ غَسَّانُ |
ننتسب إلى الأزد القبيلة المعروفة اليمانية التي يرجع إليها الكثير من مسميات القبائل والناس مثل الغمد، والزهارين كل هؤلاء يرجعون إلى الأزد.
يعني أن هؤلاء الواحد منهم صار أباً للقبيلة، وإن لم يكن الابن مباشراً له – لسبأ - هذا مقصوده وكل ذلك يقال له: ولد، إذا رأيتم في أشجار النسب تجدون بإرادة الله أن يكون أحد هؤلاء الآباء تتفرع قبيلة منه، وبعضهم لا يولد له أحد، وبعضهم يولد له أولاد ثم يضمحلون، وبعض الناس يريد الله أن يكون هو وهكذا، تجد القبيلة تنتسب إلى رجل، الآن غامد وزهران ينتسبون إلى رجلين، إلى أخوين أو أنهما ابنا عم، لهذا المقصود أنهم ينتسبون إلى رجلين، ومَن قبل هؤلاء الرجلين إلى آخره هل تفرع منه القبائل؟ ليس بالضرورة.
يعني هذا ذكره قتادة في سياق بيان الآية، قال الله : لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ قال قتادة: كانت المرأة تمشي وعلى رأسها المكتل، والمكتل مثل الزنبيل، تعرفون الزنبيل؟ الذي يكون منسوجاً من الخوص مثل القدر لكن من الخوص تضعه على رأسها فيمتلئ بالثمار دون أن تقطف، هذا قد يكون فيه مبالغة، يعني لكثرة الثمار لا تحتاج إلى قطف، لو كان الأمر كذلك كانت الأرض امتلأت بالثمار وفسد عليهم ثمارهم، مهما كان كثيراً إذا كان يتساقط بهذه الطريقة، تمشي المرأة وعلى رأسها المكتل وهو ممتلئ، قتادة يقصد تفسير الآية فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ما هي الآية؟ تمشي المرأة.. يعني كثرة الثمار.
مأرب المعروفة اليوم، مع أن بعض السلف قال: المقصود صنعاء، لكن هذا لا يظهر - والله تعالى أعلم -، والذي عليه عامة أهل العلم أن المقصود مأرب المعروفة.
هذا القول الآخر، هنا ذكر آخرين يفسرون الآية لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ما هي الآية؟ الأول أن المرأة تحمل المكتل ويمتلئ، الثاني قالوا: إن المقصود أن أرضهم لا سباخ فيها، وبعضهم يقول: كثيرة الثمر وهذا يرجع إلى قول من قال: إن المرأة تحمل المكتل إلى آخره، وبعضهم يقول: ليس فيها ذباب ولا حشرات ولا عقارب ولا براغيث حتى قال بعضهم: إن الوفد يأتون بثيابهم القمل فإذا رأوا بيوتهم ماتت، والله ذكر هذه البلدة أو الأرض "في مسكنهم آية جنتان عن يمين..."، إلى آخره، من قال: إنها سباخ لا شك أن أرضها طيبة ظهر فيها الأشجار والثمار والبساتين وما إلى ذلك، والبلدة الطيبة يقال ذلك لطيب هوائها، وإذا طاب هواؤها فإن ذلك مؤذن بطيب كثير من الأمور فيها، وإذا لم يطب الهواء اعتلت الأجسام وكثرت الهوام والعلل والأسقام وصارت موبوءة تكثر فيها البعوض والحشرات وما إلى ذلك، فهذه بلدة طيبة لكن هل معنى ذلك أنه لا يوجد فيه حشرات مطلقاً لا يوجد فيها حيات لا يوجد فيها عقارب؟، والله أعلم هذا مما تلقي عن بني إسرائيل، لكن حينما يقول الله "بلدة طيبة" فهذا يدل على طيب أرضها وهوائها وأشجارها وثمارها وما إلى ذلك، ولا شك أن كثرة الحشرات والذباب والبعوض إلى آخره من المنغصات، وشدة البرودة من المنغصات، وشدة الحر من المنغصات، وشدة الرياح والغبار من المنغصات، هذه بلدة معتدلة الهواء، طيبة التربة كثيرة الثمار والأشجار، وكلما طاب الهوى وحصل الاعتدال حصل أثر ذلك، ولذلك تجدون المناطق الاستوائية في العالم إذا ذهبت إلى إندونيسيا وما حولها على الخط تجد ما تراه كما ترى في المناطق المحاذية في أفريقيا، يعني اذهب إلى كينيا مثلاً وما حولها، واذهب إلى إندونيسيا تجد الأرض متشابهة تماماً، لا ترى التراب كل شيء أخضر أشجار على المحيط على البحر، وفي غاية الخصوبة باعتدال الهواء لكن ليست كمأرب، يعني هناك الحشرات كثيرة لكن كثرة نسبية.
وهم يقولون: عن يمين واديهم وشماله، وأن مساكنهم كانت في الوادي، وبعضهم كابن جرير يقول: بستانان بين الجبلين عن يمين من أتاهما وشماله، المقصود بالبستانين مزرعتان، وإنما بساتين عن يمين الوادي وشماله، عن يمين وشمال.
من الذي قال لهم: إن استمررتم كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ؟ يمكن أن يكون من الله ، وليس المقصود أنه خاطبهم بهذا مباشرة فسمعوه، وإنما هذا يدل على تمكينهم من تلك النعم كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ وبعضهم يقول: قال لهم نبيهم، يقولون يزعمون بأن الله بعث لهم ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم، وليس عندنا دليل على هذا - فالله أعلم -، والله أخبر أنه ما من أمة إلا بُعث فيها نذير ينذرهم، فالعلم عند الله ، وبعضهم قال: قالت لهم ذلك الملائكة، ولا دليل على هذا، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ هذه جملة مستأنفة جديدة لبيان موجب الشكر كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وعرفنا لماذا كانت طيبة، وابن جرير - رحمه الله - جمع بعض هذه المعاني يعني كثرة الأشجار وطيب الثمار وأنها ليست بسباخ، وهذا لا إشكال فيه، والله تعالى أعلم، وَرَبٌّ غَفُورٌ يعني أن ربكم إن شكرتم فيما رزقكم ربٌ غفور للذنوب، هذا قال به بعض السلف، وابن كثير يقول: ربٌ غفور إن استمررتم على التوحيد، وهذا لا يعارضه، وجه الجمع بين ما سبق يعني أن الله قال: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ بعض أهل العلم يقول: لما كان التمتع بالطيبات قد لا يخلو من شائبة ذكر مغفرته - تبارك وتعالى -، يعني أن الإنسان إذا كان على الصراط وموحداً الله - تبارك وتعالى - فإنه وإن وقع منه شيءً من الزلل إلا أن الله غفور يغفر له ما قد يبدر له من تقصير في شكره، ولهذا يمكن أن يقال بطريق أوضح في قوله: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ: إن الله أفاض عليهم من هذه النعم وحباهم بهذه العطايا والمِنن ثم لا يستطيعون أن يوفوا شكرها فقال: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، أعطاهم فهذا يحتاج إلى شكر أعظم وهم لا يستطيعون القيام بهذا على الوجه الأكمل فقال: وَرَبٌّ غَفُورٌ، والله أعلم.
- رواه أبو داود، الباب الأول من كتاب الحروف والقراءات، برقم (3988)، والترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة سبأ، برقم (3222)، وأحمد في المسند (ملحق مسند الأنصار)، برقم (87)، وقال محققوه: "إسناده حسن، عبد الله بن عابس - وهو أبو سبرة النخعي - روى عنه ثلاثة وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجاله موثوقون، حسين: هو ابن محمد بن بهرام، وشيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي".
- رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد [سورة مريم:54]، برقم (3193).