لاحظْ هو يتكلم عن أمّة، عن قبيلة، فالحديث السابق لما سئل النبي ﷺ عن سبأ وقال: رجل لا يمكن أن يفسر به هذا وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإ أي الرجل الذي يقال له: سبأ، يعني تفطنوا لهذا، ولهذا قال: "امرأة تملكهم" تملك هؤلاء القوم.
وسعيد كرز يعني أضيف إلى صفته، مسجد الجامع، سيل العرم، أنه عرم أي سيل شديد، سيل عارم بهذا الاعتبار، على هذا.
الجرذ فصيلة من الفأر أكبر حجماً منه يقال لها: الجرذان، ومنه قول القذافي - قبحه الله - لمعارضيه ذلك، فعاقبه الله بما يستحق، نقبته يعني تكاثرت عنده الجرذان، أرضهم كانت طيبة ما فيها شيء من هذا فتكاثرت عندهم فصارت تنقب عنهم هذا السد، وإذا تكاثرت وبدأت تنقب لا تسأل عن حال المكان بعدها، فلما جاء السيل كان هذا البناء مخرقاً، وإذا كان البناء مخرقاً يبدأ الماء قليلاً شيئاً فشيئاً ثم يتعاظم ويتكاثر ثم بعد ذلك يأتي على كل ما أمامه، ونحن قد لا نتصور هذه الأشياء من قبل سنين ولكن لما رأينا الماء وما يفعل في الطوفان الذي حصل في إندونيسيا، وفي غيرها يجتاح القرى بكاملها في لحظات ويجعلها كالقش لا يقف في وجهه شيء، بل رأينا المطر كيف يصنع في جدة يحمل السيارات كأنها قش وينقلها من أماكنها من المظلات، ويحمل بعضها على بعض، يحمل بعضها على بعض بطريقة عجيبة جداً تتعجب كيف تصبح هذه السيارات الضخمة - حتى الشاحنات - كأنها قش يطفو على الماء ثم يحطم بعضها بعضاً فتتحول إلى سكراب كأنك في تشليح رميت السيارات فيه على بعض، فهذه آية من آيات الله ، والذين شاهدوا السيول التي تجتاح السدود في وقت من الأوقات يدركون مثل هذه المعاني تمام الإدراك، فجاء هذا السيل العارم الشديد واجتاح هذا السد، ثم اجتاح ما بعده، يقلع الأشجار والبيوت لا يبقي ولا يذر.
في كتبهم يعني الإسرائيليات، ويقابلون بالسِّنَّوْر – القط - من أجل أن يطرد أو يأكل هذه الجرذان، وإذا كانت هذه أحياناً قوية فإنه قد يخاف منها ويفر كما هو مشاهد، وإذا جاء أمر الله بطلت الحيل، والله المستعان.
الآن بعدما تغير كل شيء عند الناس والأحوال رأينا الجرذان تطارد السنانير، وهي تفر منها غاية الفرار هذا شيء مشاهد، الآن كل شيء تغير حتى السنانير تغيرت، والجرذان استأسدت، والله المستعان.
سيل العرم: ابن كثير يقول: مثل هذا من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، السيل الموصوف بهذه القوة والشدة، وبعضهم يقول: إنه الفأر أو هذا الفصيل من الفئران هو المقصود بسيل العرم أضيف إليه للملابسة لأنه هو الذي خرقه، والأول أوضح من هذا وأوجه، الوادي يقال له العرم يقال له: جمع عرمة، بعضهم يفسره بالسدادة مثلاً، كما يقول بعضهم: كان له أبواب على درجات كما هو في السدود، يعني إذا كان ممتلئا يفتح المنفذ الأعلى فيخرج الماء ينساب منه، وإذا نزل مستوى الماء ومنسوبه يفتح الأوسط، وإذا نزل يفتح الأسفل ففيه أشياء تُسَكّر هذا، فهذا السكر، السكر نحن نقول سدادة مثلاً، أو مثل الآن الحنفية، يقال له: سكر الماء محبس يعني، يقال له: سكر، حنفية ضخمة مثلاً، أنا لا أقول عندهم حنفيات…إلى آخره، لكن هذا يسمى سكر الماء، أظن أنه يكتب إلى الآن سكر ماء كذا في اللوحات عند أماكن محابس المياه أو الأنابيب أو نحو ذلك، فبعضهم يقول: العرم المقصود المحابس هذه، وهذا لا يخلو من بُعد وإن قال به بعض السلف كقتادة، وبعضهم يقول: اسم السد سيل العرم، العرم هو السد، اسمه العرم، والله أعلم لا يخلو من بعد، سيل السد العرم يعني السد المسمى بالعرم، وبعضهم يقول: هذا اسم الوادي يقال له: العرم، سيل العرم فنسب إلى الوادي الذي حصل فيه ذلك، وهذه كلها أقوال للسلف، ومن قال هذا الفأر فنسب إلى سببه، سبب السيل الذي حصل والمصيبة التي حلت بهم هذا الفأر الذي هو العرم، ولهذا يقول بعض أئمة اللغة كابن الأعرابي: إن العرم اسم للفأر في اللغة، هذا قاله ابن الأعرابي، من أسماء الفأر، وبعضهم يقول: هو غير ذلك ماء أحمر أرسله الله إلى هذا السد فدمره وهدمه وشققه، وبعضهم يقول: العرم هو المطر الشديد، سيل العرم، وبعضهم يقول: السيل الشديد، الفرق بين المطر والسيل: المطر هو الذي ينزل من السماء، والسيل يكون قد جاء من أماكن، من جبال بعيدة فسال في الأرض، وبعضهم يقول: العرم كل حاجز بين شيئين ولهذا قيل: للسد، والعرامة تدل على الشدة، تدل على شدة وشراسة وقوة، ومن ثَمّ فإن أقرب هذه الأقوال - والله تعالى أعلم - أن السيل العرم يعني القوي الشديد الذي لا يقف في وجهه شيء وهذا سيلٌ عرم، وعارم، وفلان رجلٌ عارم وعرم أي شرس شديد صعب.
وأكُله البرير، البرير هو ثمر الأراك، الذي يظهر من ثمره، وشجر الأراك معروف الذي يستخرج منه السواك، أعواد السواك من شجر الأراك، لعلكم رأيتم شجر الأراك ويكون في الأرض الرملية، وفي الأودية ونحو ذلك، وهو شجر كثيف متفرع يحتل مساحة إذا كان كبيراً مساحة واسعة لا يكاد ينتفع منه بغيره، فهذا يخرج في مناطق وأماكن صحراوية أو شبه صحراوية، وهذا يدل على أن هذه الناحية بعدما كانت جنات تصحرت، فصار عامة ما فيها هو شجر الأراك بعد تلك الجنان، والأثل هو نبت صحراوي لا يكاد ينتفع منه إلا بالخشب الذي كان يوضع في السقوف، وترون الأثل يوضع في هذه البلاد في أطراف المزارع، ولا يزال موجوداً في بعض النواحي، قبل استعمال الناس هذا النوع من الأشجار التي تكون للزينة ونحو ذلك يضعونها الآن في أطراف المزارع وأطراف الاستراحات والشوارع والأرصفة، وقبل ذلك المزارع كانت تحاط بالأثل الذي يوضع منه خشب السقف، واضح؟ تعرفونه لونه أشهب إلى حدٍّ ما طويل جداً جداً، رأيتم هذا في أطراف المزارع، أثل الواحدة أثلة، فأٌكل خمط، إذا قيل أكل خمط: الخمط هو الأراك فيكون الخمط بدلاً من الأُكل إذا قيل الخمط هو الأراك كما يقوله أكثر المفسرين، وبه فسره الخليل بن أحمد - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إن الخمط هو كل شجر له شوك مر المذاق هذا خمط، وبعضهم يقول: كل ما لا يمكن أكله من الشجر لمرارته، وهذا قريب من الذي قبله، هكذا يفسره بعض أهل اللغة، هذه أقوال مثل أبي عبيدة والزجاج وغيرهم، وبعضهم يقول: كل شيء قد تغير لا تطلبه النفوس ولا يُشتهى للأكل فهو خمط، فاللبن إذا تغير إلى حموضة لا يستساغ فهو خمط، وهذا الذي بدلهم الله بهذه الأشجار التي لا ينتفع بها أو لا يكاد ينتفع بها أو بثمرها فهو أيضاً خمط، وبعضهم يقول: نوع من الأراك له حمل يؤكل - والله تعالى أعلم -، والمقصود أنهم بُدلوا بهذه الجنات وهذا النعيم تصحرت بلادهم وصارت تظهر بها هذه الأشجار الصحراوية الأثل والأراك والسدر؛ لأن السدر شجر النبق يؤكل ثمره كما هو معروف لكنه صغير، وماذا عسى يسمن أو يغني من جوع؟، وإنما يُتفكه به تفكهاً ضعيفاً يسيراً لا يقارن بالثمار الأخرى، وغالب ما يَتفكه به الصغارُ الأطفال، ومع ذلك قليل، هذا إذا كان هذا السدر من قبيل السدر الذي يكون له النبق المعروف الذي يؤكل وإلا فالسدر نوعان: نوع صحراوي لا يكاد ينتفع به حتى إن ورقه لا يصلح أن يكون غسولاً، يعني أول ما كانوا يغتسلون بالسدر، مقام المنظفات اليوم الشامبو، فورق السدر غير الصحراوي كان يستعمل لهذا، فيكون هذا الذي أبدلهم الله هو السدر الصحراوي الذي لا ينتفع لا بثمره ولا بورقه.
وَأَثْل: قال العوفي، عن ابن عباس: هو الطَّرْفاء.
وقال غيره: هو شجر يشبه الطرفاء، وقيل: هو السّمُر، فالله أعلم.
شجر، تعرفون النبي ﷺ عمل له المنبر من شجر الطرفاء، طرفاء الغابة في المدينة قيل هو الطرفاء وقيل السمر الشجر المعروف، وهذا موجود في أرض الحجاز، وبعضهم يقول: أعظم من الطرفاء طولاً، وبعضهم فسر الأثل بالخشب، والأثل هو الذي يؤخذ منه الخشب، واليوم الناس يعرفون الأثل ويسمونه بهذا وهو الشجر الذي يسمونه آنفاً، شجر صحراوي طويل جداً ليس بتلك الخضرة وإنما يميل إلى اللون الأشهب لا يكاد ينتفع منه بالخشب إلا في الأسقف، ورقه صغير جداً يتحاتّ، وضئيل ليس له ورق منبسط.
وقوله: وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ: لما كان أجودَ هذه الأشجار المبدل بها هو السّدْر قال: وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ، فهذا الذي صار أمرُ تَيْنك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة، والظلال العميقة والأنهار الجارية، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسّدْر ذي الشوك الكثير والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ أي: عاقبناهم بكفرهم.
قال مجاهد: ولا يعاقب إلا الكفور.
وقال الحسن البصري: صدق الله العظيم، لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور.
الجزاء هنا حمل على معنى المكافئة أن الله كافأهم بذلك فالسيئة بمثلها، وأما الثواب لأهل الإيمان والجزاء الحسن فالحسنة بعشر أمثالها، فالمقصود هنا وهل نجازي أي نكافئ إلا الكفور يعني على إجرامه وكفره بالله - تبارك وتعالى -؟ فهنا قال مجاهد: لا يعاقب إلا الكفور، وتأمل هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير وذكره بعض السلف أن الله أبدلهم - بسبب أعمالهم - بجنتيهم جنتين من نوع آخر، تحول ذلك النعيم إلى بؤس وقلة وشقاء وحال لا تطاق، فتفرقوا شذر مذر انتقلوا؛ لأن أرضهم لم تعد محلاً صالحاً للعيش، وهكذا من حادّ الله ، ونحن نرى في هذه السنين آياتٍ ما كنا نظن أننا نعيش حتى نراها وإن كنا نعلم أنها ستقع وتتحقق سواء كان ذلك في أشخاص كما حصل لبعض هؤلاء العتاة على الله ، وكيف أُبدلوا من حال إلى حال، من الترف والنعيم واللذات والانغماس بالشهوات وظلم الخلق إلى حال كما ترون، ويشاهده العالم جميعاً وكان الرجل في السابق لربما يفتضح في طائفة من الناس أو بين قومه وأصبحت الفضيحة اليوم - نسأل الله العافية - يراها مَن على وجه الأرض، وهذا الخزي إذا استعاذ الإنسان من خزي الدنيا فهذا من أعظم خزي الدنيا، وانظر إلى ذلك على مستوى الأمم كيف يبدلها الله - تبارك وتعالى -، وخذ مثالاً على ذلك اليوم اليونان وما صارت إليه من الإفلاس بعدما كان قبل سنوات الناس في بعض البلاد الشرقية يذهبون إليها طلباً للكسب والمعيشة، وقد زرت بعض البلاد تكاد تخلو من الشباب، والشباب يذهبون هناك إلى اليونان طلباً للعمل والكسب ويضيّق عليهم في هذا كثيراً بسبب أنهم من المسلمين فيضطرون إلى تغيير أسمائهم إلى أسماء نصرانية ويقفون طوابير طويلة لمدد طويلة؛ علّه يحصل لهم مثل هذه الأمنية التي يتمناها الشباب هناك، فيذهبون ينتقلون إلى حال من الرغد في زعمهم والغنى، هذا قبل سنوات قريبة يذهبون إلى اليونان يذهبون من كوسوفا من مقدونيا من ألبانيا من البوسنة إلى اليونان للعمل، والآن اليونان إفلاس، ولما حاولت الدول في أوروبا أن تعطيهم بعض الجرعات المنشطة والمهدئات ليتأخر سقوطهم - أعلن الإفلاس شيئاً فشيئاً - وجدوا أن الأمر أكبر من ذلك ثم بعد ذلك رفعوا أيديهم، هذه من آيات الله وبقية العقد في الطريق، الآن هم في الإعصار، وعما قريب سترون بإذن الله كيف يعصف بهم فيتهافتون، وتتحول تلك القوى والمفاعلات وما إلى ذلك إلى عبء يرهق كواهلهم ويهدد حياتهم صباح مساء، وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة آل عمران:189] ولكن الناس يستعجلون.
تم بحمد الله وفضله.