الإثنين 11 / محرّم / 1447 - 07 / يوليو 2025
وَٱلَّذِينَ سَعَوْ فِىٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ۝ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ۝ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سورة سبأ:3-6].

هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابع لهن مما أمر الله رسولَه ﷺ أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد لَمَّا أنكره مَنْ أنكره من أهل الكفر والعناد، فإحداهن في سورة يونس وهي قوله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [سورة يونس:53]، والثانية هذه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، والثالثة في التغابن وهي قوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة التغابن:7]، فقال تعالى: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، ثم وصفه بما يؤكد ذلك ويقرره فقال: عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.

هذه الآيات الثلاث التي أمر الله نبيه ﷺ أن يقسم بها على البعث، هذا الموضع الذي ذكر فيه الحافظ ابن كثير هذا المعنى ذكره أيضاً في سورة التغابن.

وقوله: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ هذه القراءة، عَالِمِ الْغَيْبِ وهي قراءة عاصم وابن كثير وأبي عمرو، عَالِمِ الْغَيْبِ يعني بالجر – مكسورة -، فيكون ذلك عائداً إلى قوله: قُلْ بَلَى وَرَبِّي فالرب مقسم به مجرور، وَرَبِّي، أي وربي عالمِ الغيب، فيكون ذلك نعتاً له، نعتاً للرب أنه عالم الغيب، فلما كان الرب مجروراً - اسم الرب هنا مجرور - جاء ذلك نعتاً له، وأما القراءة الأخرى وهي قراءة نافع وابن عامر بالرفع عَالِمُ الْغَيْبِ فهذا باعتبار أنه مبتدأ، عَالمُ الْغَيْبِ، وفي قراءة ثالثة أيضاً متواترة وهي قراءة حمزة والكسائي علّامِ الغيب و(علام) صيغة مبالغة، وأيضاً بالجر نعتاً لـ"ربي"، قل بلى وربي علامِ الغيب، هذه ثلاث قراءات متواترة.

قال: قال مجاهد وقتادة: لا يَعْزُبُ عَنْهُ لا يغيب عنه، أي: الجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى عليه منه شيء، فالعظام وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت، فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة، فإنه بكل شيء عليم.

ثم بين حكمته في إعادة الأبدان وقيام الساعة بقوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ۝ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أي: سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب رسله.

الآن في قوله - تبارك وتعالى -، تأمل الآية: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ أي: مبين لما فيه، أو بيّن لمن قرأه، قال: إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فقوله هنا: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، هل متعلق بقوله: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يعني من أجل الجزاء؟، أيضاً ويعاقب المجرمين والكافرين، فيكون ذكر أشرف النوعين، أشرف الصنفين، فيكون قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ متعلقاً بقوله: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هذا احتمال، وذهب كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- إلى أنه متعلق بآخر الآية، وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي: أن الله - تبارك وتعالى - أثبت ذلك في كتاب من أجل الجزاء لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا أثبته في الكتاب المبين كي يثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم ذكر من كانوا بخلاف هذه الصفة وهم الكفار، قال: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ يعني: وليجزي الذين سعوا في آياتنا معاجزين، يجازي هؤلاء الذين عملوا في إبطال الحق، وهكذا في قوله: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني: ولِيرى الذين أوتوا العلم، عطفاً على يجزي، فابن جرير جعل هذه الثلاث مرتبطة ببعضها، وأنها عائدة إلى بعض، كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة هود:6]، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وأيضاً يجازي الذين عاندوا وكابروا وسعوا في آياته معاجزين، وليرى الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربهم، هذا على قول ابن جرير - رحمه الله.

الآن وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ، بعضهم يقول: أي مسابقين، يحسبون أنهم يفوتوننا، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا [سورة العنكبوت:4]، سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أي: مسابقين، يحسبون أنهم يفوتوننا ولا يُدرَكون، يعني الله لا يقدر على إعادتهم أو لا يقدر على أخذتهم ومجازاتهم ومعاقبتهم ومحاسبتهم، فهم لكونهم يعتقدون أنهم لا يبعثون ظنوا هذا الظن السيئ، أنهم يفوتون الله - تبارك وتعالى -، والمعاجزة تأتي بمعنى المغالبة، عاجزه بمعنى غالبه وسبقه، هذه قراءة الجمهور وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ وفي قراءة أخرى متواترة لابن كثير وأبي عمرو معجزين، وكل ذلك بعضهم يفسره بمعنى متحد، وبعضهم يقول: إن قوله: معجزين أي: مثبطين للناس عن اتباع الحق والعمل به، أو عن الإيمان، والمعنى المتبادر - والله تعالى أعلم -، سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ يعني: يحسبون أنهم يفوتون الله ويسبقونه فلا يقدر على أخذهم ومجازاتهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم فلا يبعثهم بعد أن تفرقت أبعاضهم وأجزاؤهم في الأرض، وذلك لا ينفي أيضاً قول من فسره بأنهم مسابقون في طلب إبطال الحق، سَعَوْا فِي آيَاتِنَا فإن ذلك يدل عليه هذا القدر، سعوا فيها معاجزين، فهذا السعي منهم لأي شيء يكون؟ من أجل إبطال الحق، وتثبيط الناس عن اتباعه والأخذ به ولزومه.

قال: أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ أي: لينعم السعداء من المؤمنين، ويعذب الأشقياء من الكافرين.

قال: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أي سعوا في الصد عن سبيل الله تعالى وتكذيب رسله، أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، الرجز هو العذاب و"مِن" بيانية، عذاب من رجز، وبعضهم يقول: إن الرجز أشد العذاب، يعني هو عذاب خاص، فالعذاب على درجات، فالشديد منه يقال له: الرجز، وهذا العذاب بماذا يفسر؟ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ وفي آية الحج: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [سورة الحج:51]، إذاً هذا العذاب مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ليس في الدنيا وإنما في الآخرة، توعدهم الله بالنار، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ والقرآن يفسر بعضه بعضاً، لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٍ بالجر باعتبار أنه صفة للرجز.

وفي القراءة الأخرى وهي قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم بالرفع لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، صفة لعذاب، لهم عذابٌ أليمٌ.

قال: كما قال: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [سورة الحشر:20]، وقال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [سورة ص:28].

وقوله تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها، وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة ومجازاة الأبرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب الله في الدنيا رأوه حينئذ عين اليقين، ويقولون يومئذ أيضًا: لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [سورة الأعراف:43]، ويقال أيضًا: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [سورة يس:52]، لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ [سورة الروم:56]، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

قوله - تبارك وتعالى -: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ عُرف من كلام ابن جرير - رحمه الله - أن ذلك عائد إلى قوله: لِيَجْزِيَ، وأن قوله: لِيَجْزِيَ يعود إلى ما قبله من ذكر الكتاب المبين، وأن الله أثبت فيه كل شيء، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ويجزي أيضاً الكافرين، وليرى الذين أوتوا العلم أنه الحق، فأعاد ذلك جميعاً إلى قوله: إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ، والمعنى الذي قبله هو أن ذلك عائد إلى قوله: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وأن قوله: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ عائد إلى قوله: لِيَجْزِيَ بهذا الاعتبار وهذا المعنى، هذا الذي مشى عليه ابن كثير - رحمه الله -، وبه قال جماعة آخرون كالزجّاج والفراء، وبعضهم يرى أن قوله: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أنه كلام مستأنف، أي كلام مبتدأ جديد لا تعلق له بما قبله، يعني غير مرتبط به، كما قيل من كلام ابن جرير وابن كثير وغير هؤلاء، يكون هكذا وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ إلى أن قال: إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا ليجزيهم وليحاسبهم، ثم قال بكلام جديد مستأنف يخبر فيه عن الذين أوتوا العلم، فلما كان أولائك من المعاجزين الذين طلبوا إبطال الحق وتشويهه، وتثبيط الناس عن اتباعه - وذلك فعل الجاهلين - ذكر موقف الذين أوتوا العلم منه، فقال: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، فذاك موقف الكافرين سعوا معاجزين، وهذا موقف الذين أوتوا العلم، فهو كلام مستأنف في بيان حال هؤلاء في نظرهم للموحَى به إلى النبي ﷺ أنه حق وأنه يهدي، يعني أنه لا يتعلق بما سبق من قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ - يعني وليرى الذين أوتوا العلم -، وإنما هو كلام مستأنف، وهذا لعله الأقرب - والله تعالى أعلم -، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ، فابن كثير - رحمه الله - هنا يقول: هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها، بصرف النظر عن مرجع ذلك، في الفرق بين ابن جرير وابن كثير عرفتموه في هذا، لكن كل واحد منهما يرى أنه يرجع إلى ما سبق، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ، وابن القيم - رحمه الله - هنا أشار إلى معنى لطيف في هذه الآية، فالذين أوتوا العلم يرون أنه الحق، هذا موقفهم وهذا نظرهم، فمن رأى أن المعارضين له بألوان المعارضات العقلية أنهم على الحق، أو أن ما عارضه من العقل حق، فهؤلاء ليسوا من العلم في قليل ولا كثير، فالذين أوتوا العلم يرون أنه الحق، وأنه يهدي، فمن رأى أن الحق في غيره من المعارضات، أومن الأمور التي يتبعها مَن يتبعها سواء كان ذلك من العقول أو المواجيد والأذواق أو غير ذلك مما يتبعه مَن ضل عن الاهتداء بالقرآن فإنه ليس من هذا الوصف في قليل ولا كثير، فالذين شهد الله لهم بأنهم أوتوا العلم هم الذين ينظرون إلى ما جاء به الرسول ﷺ أنه الحق وأنه الذي يهدي، فمن اعتقد الحق في غيره أو أن الهداية في غيره فهو غير داخل بهذا الوصف.

قال: العزيز هو: المنيع الجناب، الذي لا يُغالب ولا يُمَانع، بل قد قهر كل شيء وغلبه، الحميد في جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، وهو المحمود في ذلك كله .