قوله - تبارك وتعالى -: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ الحافظ ابن كثير هنا يقول: أي: يَخلف قوم لآخرين قبلهم وجيل لجيل قبلهم وهذا المعنى قريب، وقد يكون هو المتبادر ولا يبعد منه قول ابن جرير - رحمه الله - خلائف في الأرض يعني أنكم تخلفون من سبقكم من الأمم كثمود وعاد، الأمم التي أهلكها الله - تبارك وتعالى - فلا شك أنهم جاءوا بعدهم، وهذا لا ينافي أن يكون الخلائف أن يخلف بعضهم بعضاً جيلاً بعد جيل فمن هذه الأجيال تلك الأمم المهلَكة، وبعضهم يقول: المراد بالخلائف أي أنكم تخلفون عن الله - تبارك وتعالى - وأنه استخلفكم في الأرض، ويفسرون بذلك قوله - تبارك وتعالى -: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [سورة البقرة:30]، وقد مضى الكلام هناك على الأقوال التي ذكرها المفسرون في هذا وأن قول من قال: خليفة أي عن الله أنه غير صحيح، وأنه لا يصح أن يقال: إن الإنسان خليفة عن الله - تبارك وتعالى -، وإنما المقصود: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً يعني الناس يخلف بعضهم بعضاً، فالله استخلفهم فيها وجعلهم خلائف يتعاقبون فيها ويخلف جيل جيلاً، وهكذا قول من فسره هنا وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ بأنهم يخلفون عن الله - تبارك وتعالى - هذا غير صحيح، وقوله - تبارك وتعالى -: وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا المقت هو أشد البغض، كما أن المحبة درجات أعلاها الخُلّة، فكذلك البغض درجات، فمن أعلى درجات البغض المقت.