ثم قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ أي: لو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك جميع أهل الأرض، وما يملكونه من دواب وأرزاق.
وقال سعيد بن جُبَيْر، والسُّدِّيّ في قوله: مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ أي: لما سقاهم المطر، فماتت جميع الدواب.
وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي: ولكن يُنْظرهُم إلى يوم القيامة، فيحاسبهم يومئذ، ويوفي كل عامل بعمله، فيجازي بالثواب أهلَ الطاعة، وبالعقاب أهل المعصية؛ ولهذا قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا.
آخر تفسير سورة "فاطر" ولله الحمد والمنة.
قوله - تبارك وتعالى -: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ قال: لأهلك جميع أهل الأرض وما يملكونه من دواب وأرزاق، وما لا يملكونه من الدواب كالوحش والهوام ونحو ذلك؛ ولهذا فإن من المفسرين من حمله على العموم، والدابة تقال بإطلاق أوسع لكل ما يدب على الأرض، كل ما دب عليها من الهوام وذوات الأربع والإنس والجن كل هؤلاء يقال له: دواب بهذا الاعتبار، وتقال لذوات الأربع بمعنى أضيق وليس ذلك هو المراد هنا، ليس المراد: أعني تحديداً، وبعضهم خصه بالإنس والجن باعتبار أنهم أهل التكليف، وأن العقوبات تقع عليهم دون غيرهم، وبعضهم خصه بالإنس باعتبار أنهم يدبون على الأرض، والظاهر - والله تعالى أعلم - أن ذلك على العموم فيدخل فيه كل من دب على الأرض حتى الجعلان في جحرها تموت بذنوب بني آدم، وقد يكون ذلك بحبس المطر عنه كما جاء عن السدي وسعيد بن جبير فيكون ذلك سبباً للهلاك، وقد يكون بغيره مما أراده الله - تبارك وتعالى -، لكن الذين خصوا ذلك بالجن والإنس مثلاً أو بالإنس باعتبار العقوبة، وإنما العقوبة تقع على من فعلها، ولكن السلف كثيراً ما يذكرون مثل هذا من جهة أن شؤم الذنوب يتعدى فيصل إلى هذه البهائم والدواب وما إلى ذلك، والله - تبارك وتعالى - يقول: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [سورة الروم:41]، ومن هذا الفساد الذي حصل في البر والبحر ما يحصل من هلاك الدواب في البحار، وما يحصل من ألوان الفساد من التلوث ونحو ذلك، والقحط في البر إلى غير هذا، فهذه العقوبات تعم إذا نزلت، - والله المستعان -، ولهذا في قول النبي ﷺ: إن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان...[1]، ذكروا في وجه هذا قالوا: باعتبار أنه يعلم الناس ما يسوغ وما لا يسوغ فيتكلم في أمور مباشرة في منع هذه الآثار الفاسدة والمُفسدة التي تأتي على هذه الدواب والبهائم، تُؤذَى ولا يحصل لها ضرر من جهة بني آدم يعني بالمباشرة، وكذلك أيضاً هو يعلم الناس ما تحصل به التقوى فلا يحصل انحباس القطر، ولا تحصل العقوبات العامة التي تتضرر منها هذه الدواب والبهائم في البر والبحر، والله تعالى أعلم.
- رواه الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، برقم (2682)، وابن ماجه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب ثواب معلم الناس الخير، برقم (239)، وأحمد في المسند، برقم (21715)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5883)، وفي السلسلة الصحيحة، برقم (3024).