السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
ٱتَّبِعُوا۟ مَن لَّا يَسْـَٔلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال سبحانه: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۝ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۝ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ۝ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [يس:20-25].

قال ابن إسحاق - فيما بلغه عن ابن عباس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه -: إن أهل القرية هموا بقتل رسلهم، فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى أي: لينصرهم من قومه، قالوا: وهو حبيب، وكان يعمل الجرير - وهو الحبال -، وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام، وكان كثير الصدقة، يتصدق بنصف كسبه، مستقيم النظرة.

وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس - أيضاً - قال: "اسم صاحب يس حبيب النجار، فقتله قومه".

قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ: يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا أي: على إبلاغ الرسالة، وَهُمْ مُهْتَدُونَ فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له".

هذا كله من الإسرائيليات ليس ذلك بمحل اتفاق أنه حبيب النجار، بعضهم يذكر غير هذا، وكونه يصنع الحبال ويصنع شيئاً آخر هذا ما تلقي عن بني إسرائيل، وهذه صفات الرسل - عليهم الصلاة والسلام - فلا يقال: إن هؤلاء ممن أرسلهم المسيح ﷺ.

وفُهم أنهم قتلوه من قوله - سبحانه -: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27]، مع أن الآية لم تصرح بهذا، وقد يقول قائل: إنه قيل له ادخل الجنة بعدما مات، وإن صح حديث عروة، وابن مسعود؛ فيكون دليلاً على أنهم قتلوه.

"وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي أي: وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني وحده لا شريك له، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي: يوم المعاد، فيجازيكم على أعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً استفهام إنكار، وتوبيخ، وتقريع، إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ أي: هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه لا يملكون من الأمر شيئاً، فإن الله لو أرادني بسوء فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ [يونس:107]، وهذه الأصنام لا تملك دفع ذلك، ولا منعه، ولا ينقذونني مما أنا فيه، إني إذا لفي ضلال مبين أي: إن اتخذتها آلهة من دون الله.

وقوله: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قال ابن إسحاق - فيما بلغه عن ابن عباس، وكعب، ووهب -: يقول لقومه: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي كفرتم به، فَاسْمَعُونِ أي: فاسمعوا قولي.

ويحتمل أن يكون خطابه للرسل بقوله: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ أي: الذي أرسلكم، فَاسْمَعُونِ أي: فاشهدوا لي بذلك عنده، وقد حكاه ابن جرير فقال: "وقال آخرون: بل خاطب بذلك الرسل، وقال لهم: اسمعوا قولي، لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، إني قد آمنت بربكم، واتبعتكم" وهذا القول الذي حكاه هؤلاء أظهر في المعنى - والله أعلم -.

قال ابن إسحاق - فيما بلغه عن ابن عباس، وكعب، ووهب -: "فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه".

وقال قتادة: "جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: "اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون"، فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقول كذلك، فقتلوه - رحمه الله -".

أقعصوه يعني قتلوه قتلاً مجهزاً في مكانه، أقعصوه قتلوه في مكانه قتلاً مجهزاً، القتل المجهز يقال له: إقعاص.