الثلاثاء 13 / ذو الحجة / 1446 - 10 / يونيو 2025
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّٰتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَٰبٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ۝ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ۝ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ۝ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس: 33-36].

يقول تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ أي: دلالة لهم على وجود الصانع، وقدرته التامة، وإحيائه الموتى الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أي: إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات، فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ولهذا قال: أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ أي: جعلناه رزقاً لهم، ولأنعامهم، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ أي: جعلنا فيها أنهاراً سارحة في أمكنة يحتاجون إليها، لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ لمّا امتن على خلقه بإيجاد الزروع لهم عطف بذكر الثمار، وتنوعها، وأصنافها، وقوله: وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أي: وما ذاك كله إلا من رحمة الله بهم، لا بسعيهم، ولا كدهم، ولا بحولهم وقوتهم، قاله ابن عباس وقتادة؛ ولهذا قال: أَفَلَا يَشْكُرُونَ أي: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد، ولا تحصى؟ واختار ابن جرير - بل جزم به ولم يحك غيره إلا احتمالاً - أن "ما" في قوله: وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ بمعنى: "الذي" تقديره: ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، أي: غرسوه، ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمِمّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ.

وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ذكر القولين في هذه الآية، أنا أذكر المعنيين لا على ترتيب ابن كثير الأول: أنها موصولة، يعني: ما أخرجه الله لهم من غير كدهم، ولا كسبهم بإنزال المطر بتقدير الله أي ويأكلوا من الذي عملته أيديهم سواء كان ذلك من العصير الذي يعصرون من هذه الثمار وما أشبه ذلك مما يستخرجونه منها فيعملونه، ويطحنونه، أو ما أشبه هذا، أو كان ذلك بزرع يزرعونه، وغرس يغرسونه، ليأكلوا من ثمره الذي أخرجه الله بالمطر، ولم يكن لهم فيه كد، الذي يزرعونه، ويعملونه ما عملته أيديهم مما يغرسون، ويزرعون، واضح؟، هذا على القول بأنها موصولة، وهو مروي عن الضحاك، واختاره ابن جرير، وجزم به، أنها موصولة، والقول الآخر: أن ما نافية، وهذا الذي قاله مقاتل، والضحاك وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ لم تعمله أيديهم؛ وإنما الله - تبارك وتعالى - هو الذي شق الأرض عن مسمار النبات، وهو الذي أحيا هذه الأرض بألوان الزروع ذات الثمار، وما كان ذلك من عملهم، ولا كسبهم.

يقول: قال: بمعنى الذي تقديره ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، أي: غرسوه، ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود "ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم" وهذه واضحة صريحة تشهد لقول من قال بأن ما موصولة، يعني: ومن الذي عملته أيديهم، ولهذا ابن جرير قال بهذا القول، مع أن ظاهر الآية والأدلة على القدرة، والامتنان؛ أن تكون نافية، ولهذا ذكر الشكر بعده؛ لأن الله هو الذي امتن بهذا، ولم يكن لهم فيه قدرة، ولا كسب، فقد ينزل المطر، وقد يحصل السقي للأرض، والبذور، ولا يخرج النبات، وقد يخرج النبات ولا يثمر، وقد يثمر ثم تأتي الآفة فتهلكه.

والقول بأنها نافية أقرب إلى السياق، وأدل في القدرة، وأثبت في الامتنان - والله تعالى أعلم -.

وابن كثير يرى أنها نافية، وابن جرير يرى أنها موصولة، وهذا له ما يؤيده، وهذا له ما يؤيده، فإن صحت هذه القراءة عن ابن مسعود من جهة الإسناد فإن القراءة الأحادية تفسر المتواترة، وإن لم تصح فإن ظاهر السياق على أنها نافية - والله تعالى أعلم - يعني الأقرب إلى ظاهر السياق - والله أعلم -.