الإثنين 20 / ربيع الآخر / 1447 - 13 / أكتوبر 2025
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُوا۟ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۝ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ۝ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سورة يس:45-47].

يقول تعالى مخبراً عن تمادي المشركين في غيهم، وضلالهم، وعدم اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها، وما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ قال مجاهد: "من الذنوب"، وقال غيره بالعكس".

هنا اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال: بذنوبهم التي أسلفوها، وما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يعني ما تستقبلون في المستقبل تتقون الذنوب، وما خلفكم فيما مضى، فهذا يحتاج إلى توبة، ومراجعة، ومحاسبة للنفس، اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ فإن الذنوب لها تبعات فيما كان منها في الماضي، وما كان في المستقبل، فإن العبد يحتاج إلى أن يتوقاها، هذا تفسير الحافظ - رحمه الله - لقوله: مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ، وبعضهم يقول: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ يعني: من النوازل، والآفات التي تكون في المستقبل محيطة بكم، وما خلفكم منها، لكن ما هذه الآفات التي تُتقى على هذا القول اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ؟ النوازل، والآفات يمكن أن تحمل هنا على العقوبات، والمَثُلات التي وقعت قبلهم، وما ينتظر المجرمين، والمكذبين، والكافرين من أمثالها إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [سورة الفجر:14]، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [سورة هود:83] بهذا الاعتبار فيكون ذلك كأنه من قبيل تفسير اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يعني من الذنوب؛ فهنا يكون ما ينتج عنها، ويترتب عن الذنوب وهي العقوبات التي حلَّت في الماضي، والتي تقع في المستقبل، وجاء ذلك من كلام قتادة صريحاً، أن المقصود بالنوازل يعني الوقائع التي حصلت للأمم المكذبة، وما في المستقبل مما يقع في ذلك - والله تعالى أعلم -، وبعضهم يقول: إن ما بين أيديكم يعني الدنيا، وما خلفكم يعني الآخرة اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ هذا مروي عن سفيان - رحمه الله -، وبعضهم يقول عكس هذا ما بين أيديكم يعني الآخرة، وما خلفكم يعني الدنيا، وبعضهم يقول: ما بين أيديكم ما ظهر لكم، وما خلفكم يعني ما خفي عنكم، وهذا لا يخلو من بعد - والله تعالى أعلم -، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا: يقول تعالى مخبراً عن تمادي المشركين في غيهم، وضلالهم، وعدم اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها، وما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ يعني من الجزاء، من الجزاء عليها اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة يس:45] مثل هذا يعني اتقوا الذنوب، وقول من قال: النوازل، والعقوبات، والمثلات فإن هذا تفسير لللفظ بمعنيين بينهما ملازمة، فإذا قيل له: اتقِ العقوبة، أو قيل له: اتقِ الذنب فإن ذلك يرجع إلى معنى متقارب باعتبار الملازمة بينهما، ومثل هذا لو قال قائل بأنه لا يحتاج إلى ترجيح لكان له وجه - والله تعالى أعلم -.

قوله: بالعكس هو الذي ذكرته آنفاً، يقول هنا: قال مجاهد: "من الذنوب"، وقال غيره بالعكس، عكس ما سبق يعني مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ في الدنيا وَمَا خَلْفَكُمْ في الآخرة، عكس لِمَا ذكر في أول الكلام، وقال بعضهم: بالعكس يعني يفسر بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ما تستقبلون، ما يستقبلونه في الآخرة، وما خلفكم ما أسلفتموه في الدنيا، أو ما كان من الذنوب السابقة، وبعضهم يقول: بالعكس مثل وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ [سورة الكهف:79] يعني أمامهم، فكلمة وراءهم من الأضداد أيضاً فتأتي بمعنى أمام، وتأتي بمعنى خلف، تقول: وراءكم أيام فإن من ورائكم أيام الصبر[1] يعني أمامكم.

"لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي: لعل الله باتقائكم ذلك يرحمكم، ويؤمنكم من عذابه، وتقدير كلامه: أنهم لا يجيبون إلى ذلك، ويعرضون عنه، واكتفى عن ذلك بقوله: وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ أي: على التوحيد، وصدق الرسل إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ أي: لا يتأملونها، ولا ينتفعون بها".
  1. رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم (4341)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [سورة المائدة:105]، برقم (4014)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (494)، وقال: "وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات لولا أن إبراهيم بن أبي عبلة عن عتبة بن غزوان مرسل كما في التهذيب" انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/892).