الأحد 19 / ربيع الآخر / 1447 - 12 / أكتوبر 2025
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُۥٓ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ أي: وإذا أُمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أي: عن الذين آمنوا من الفقراء، أي: قالوا لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به: أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ أي: وهؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم لو شاء الله لأغناهم، ولأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم، إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ أي: في أمركم لنا بذلك".

هذا الذي ذهب إليه ابن جرير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ هذا من قول الله يصف حال هؤلاء المكذبين القائلين: أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ [سورة يس:47] فيكون من قبيل الموصول لفظاً المفصول معنى، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في مناسبات متعددة، لكن الأقرب - والله أعلم - أن الكلام متصل، وأنه من قولهم، متصل لفظاً ومعنى، فيقولون: أنتم في ذهاب عن الحق في هذا الذي أمرتمونا فيه، وهذا مثل قول بعض الجهال - والله المستعان - حين حصل زلزال في بعض البلاد، وجاء مَن يحث الناس على الصدقة، والوقوف مع إخوانهم: هذا الزلزال من الذي أوقعه؟ قيل له: الله!، فقال بلهجته: الله أبخص - بمعنى الله أعلم - حينما ساقه إليهم، يعني ذلك عن علم، وحكمة، فلماذا أنتم تأتون وتجمعون لهم التبرعات؟، يعني: ما ساقه لهم إلا ليعاقبهم بذلك، يعني: أنتم لستم أعلم من الله ، تأتون، وتقولون: ساعدوهم، وقفوا معهم، الله أبخص يعني حينما ساق لهم هذا، هذا مثل قوله أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ، فالله يبتلي الناس يسوق إليهم من الأمور التي يحتاجون معها إلى إعانة، وشيء من التسديد، ووقوف إخوانهم معهم وما إلى ذلك من البلايا، فما يصح أن يحتج الإنسان بالقدر، ويقول: الله - تبارك وتعالى - لو شاء أطعمهم، الله لو شاء أفقرهم، الله لو شاء ما أوقع بهم هذه الحروب، وإنما ساقها عن علم وحكمة، لماذا أنتم تقومون بهذا العمل؟، لو عمل بمقتضى هذا الجاهل لبطلت أشياء كثيرة، بل لبطلت الحياة بالكلية، فإن مثل هذا بحاجة إلى أمور كثيرة يتوقف تحققها على غيره، وهكذا حياة الناس جعلهم الله بهذه المثابة، والله يبتلي الغني بالفقير، والفقير بالغني، والصحيح بالعليل، والعليل بالصحيح وهكذا، وعلى هذا لا يُعالَج أحد من مرض، ولا يداوى من جراح، فيقال: هذا القائل إذا جاء إلى الطبيب تقول له: ماذا تريد؟ تريد العلاج؟!، الله أبخص منك حينما ساق هذا المرض، على منطقه هو، مع أن هذا الاحتجاج لا يصح - والله المستعان -.