هذان جوابان عن سؤال مقدر قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا كيف سماه رقاداً أو قال عنه بأنه مرقد وهم يعذبون في قبورهم ما كانوا راقدين في القبور مَرْقَدِنَا؟ فذكر جوابين عن هذا السؤال:
الأول: أن ما يلقونه في القبور بالنسبة لما يلقونه في النار يكون كالرقاد مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا.
والثاني: أنهم ينامون نومة خفيفة وهي التي قال عنها قتادة: ما بين النفختين، يعني: نفخة الصعق، ونفخة البعث، أنهم ينامون نومة، هذه النومة كما يقال: الراحة التي يلقونها هذه القصيرة - نسأل الله العافية - في القبور تكون مثل صحوة الموت بالنسبة للمحتضر، يصحو صحوة، وينشط، ولربما يتحدث، ويضحك، ويطلب طعاماً؛ فيسر أهله، ثم بعد ذلك يموت فتكون هذه قبل البعث نومة خفيفة، فهذان جوابان، ويمكن أن يُذكر جواب ثالث وهو أن يقال - والله تعالى أعلم -: إن القبور يقال لها: مراقد، القبر يقال له: مرقد، أليس كذلك؟ فهم عبروا عنه باسمه مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا يعني: من بعثنا من قبورنا؛ بهذا الاعتبار، تقول: نحن غداً في القبور راقدون، ليس المقصود نائمين وإنما يكون الإنسان في لحده في قبره ممدداً بعد أن كان ينطلق، ويذهب، ويجيء، ويذهب، ويأمر، وينهى وما أشبه ذلك، فتكون هذه القبور مراقد لأهلها بهذا الاعتبار، لا يعني أنهم في نوم - والله أعلم -، لكن عذاب القبر ثابت في نصوص كثيرة وهي في السنة متواترة، وفي القرآن يستدل عليه بآيات لا تخفى كقوله - تبارك وتعالى - عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [سورة غافر:46]، فقوله: يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا يعني في القبر، وهكذا في قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [سورة السجدة:21] على أحد التفسيرات.
قوله: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ القائل لذلك المجيب هم أهل الإيمان الذين كانوا يؤمنون بالبعث إذا رأوا ذلك أجابوا بهذا الجواب، وهذا قال به من السلف مجاهد واختاره ابن جرير - رحمه الله -.
وهذا أيضاً اختاره الفراء في معاني القرآن، ويحتمل هذا وهذا، ويحتمل غير ذلك، والحافظ ابن كثير هنا قال: "ولا منافاة إذ الجمع ممكن - والله أعلم -" فالجمع ممكن باعتبار أن هذا الجواب يصدر ممن يؤمنون بهذا البعث هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ فيجيبهم بذلك أهل الإيمان، والملائكة، ولكن الكفار هم الذين يتعجبون، ويتساءلون عن هذا البعث، وبعضهم يقول: إن الذي يجيبهم منهم، يعني يجيب بعضهم بعضاً لمّا يتساءلون مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا فيجيب آخرون فيقولون: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ لمّا يعاينون الحقائق فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [سورة ق:22] فعندئذ ينكشف عنهم الغطاء، ويبصرون الأمور على ما أخبرت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [سورة الأعراف:53] فعندئذ يعرفون أحقية ما جاء به الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وبعضهم يقول كقتادة - رحمه الله -: إن ذلك من قول الله - تبارك وتعالى - لهم: مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ المقصود أنهم يجابون على هذا السؤال بهذه الإجابة.