فهنا نفى - تبارك وتعالى - أن يُظلم بأن يزاد عليه في سيئاته، أو ينقص من حسناته، أو يجازى بعمل غيره؛ اللهم إلا ما جاء في النصوص من قوله - تبارك وتعالى -: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [سورة العنكبوت:13]، لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ [سورة النحل:25]، وهكذا في قوله ﷺ: ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء[1]، فأولئك يحملون أوزارهم، وهؤلاء يحملون أوزارهم، وأوزار مَنْ أضلوهم أيضاً مع تحمل الضالين لأوزارهم، لكن هؤلاء يضاعف لهم، المقصود أن الإنسان لا يُظلم بوجه من الوجوه، والوزن بمثاقيل الذر فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [سورة الزلزلة:7-8]، هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ [سورة يونس:30] فيعرف الإنسان حقيقة أعماله، وما هو عليه من إخلاص، وصدق، وما هو عليه من عمل صالح أو سيء، وتنكشف أمامه الحجب، ويعرف ما قدم وما أخر، ثم يتندم، ولا ينفعه الندم وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [سورة الكهف:49] فعندئذ يندم المضيع والمفرط، ومن كان أمره فرطاً، من ذهبت حياته، وزجت أوقاته باللهو والغفلة، وعند ذلك أيضاً يبصر أولئك الذين قضوا أيامهم، وضيعوا أعمالهم، وأعمارهم؛ بالاستهزاء بأولياء الله - تبارك وتعالى -، وغرتهم الحياة الدنيا، وأعرضوا عن طاعة الله ، وعبادته، ومثل هذه الآيات ينبغي أن تكون عظةً، وعبرةً؛ المؤمن يقف عندها، وينظر في أعماله، ومزاولاته، وإنجازاته في يومه وليله، وما يتقرب به إلى الله ، وما يعتري ذلك من نيات فاسدة، ومن حظوظ النفوس وما أشبه هذا، فالله - تبارك وتعالى - مطلع على ما في الصدور، والحساب دقيق، ويخفى على الناس كثيرًا، ولكنه لا يخفى على الله - تبارك وتعالى - شيء، وأولئك الذين يسألون كيف يتخلصون من بعض الذنوب التي يعملونها في السر؟ نقول: هذا أكبر واعظ وزاجر لهم ولغيرهم، وأولئك الذين يبيتون ما لا يرضى من القول ينبغي أن يكون ذلك عظة وعبرة لهم، وهكذا الذين كان لهم ملهاة يتلهون بها، فتنقضي ساعات اليوم وهم في ذلك الاشتغال إن كان ما يصرف عن العمل الصالح، والتقرب إلى الله ، فينبغي أن يعيدوا النظر فيما هم فيه، والحافظ ابن القيم - رحمه الله - ذكر أن هذا الموضع وهو قوله - تبارك وتعالى -: وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة يس:54] لا ينفي أن ينتفع الإنسان بعمل غيره لا على وجه الجزاء، هنا قال: وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ تجزون، الجزاء يكون مقابل العمل، هذا الذي ينتفع بعمل غيره طاف فأهدى ذلك لغيره، قرأ قرآناً فأهدى ذلك لغيره، الذين يمنعون من هذا، ويقولون: لا يصل الثواب يحتجون بمثل هذه الآية، وأدلة أخرى ذكرنا طرفاً منها في مناسبات سابقة، فالحافظ ابن القيم - رحمه الله - هنا يقول: ليس على وجه الجزاء فإن هذه الأعمال ما عملوها وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لكن ما يهدى إليه ليس من قبيل الجزاء على عمله، وإنما هو صدقة، وإحسان من غيره إليه، تفضل به على هذا الإنسان وهو من غير سعي له، بل وهبه الله له، وساقه إليه على يد بعض عباده على وجه الجزاء، هذا الكلام من الحافظ ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الروح صريح في أن الإنسان ينتفع بعمل غيره من الأعمال التي يقدمها، أو يهديها له، لكن يبقى النظر، والتفصيل؛ بنوع هذه الأعمال، فلا شك أن العبادات المالية ينتفع بها كالصدقة، وكذلك أيضاً ينتفع بالدعاء تبقى الأعمال البدنية ينتفع بها أو لا؟ وللحافظ ابن القيم - رحمه الله - كلام يحتج فيه من وجوه متعددة على أن ذلك لا يصل إليه، وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يرى أن ذلك يصل ويحتج لهذا أيضاً بأدلة، فالمسألة فيها كلام، وتفصيل معروف، ومثل هذا لو أنه ما حذفه لكان أولى، كلام ابن جرير كان الأحرى أن يذكر هنا، يعني في موضعٍ حذفت كان الأولى ألا تحذف كما مر في مناسبات شتى، لكن هذا لا يؤثر في قيمة هذا الكتاب، وبعض من كتب عن هذا الكتاب ما أنصفه، وذكر فيه أشياء ليست على الوجه الذي ذكر، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى مقارنة، ودقة، وتحتاج أيضاً إلى وزن هذه الأشياء التي يقال: إنها من قبيل العيوب، أو المؤاخذات، أو النقص وما أشبه هذا، وتبقى أيضاً هناك وجه نظر إلى قيمة هذا المحذوف من عدمها، وبعض المختصرات الأخرى المقدمة جيدة، والضوابط التي وضعت جيدة؛ لكن من يقول: إن هذا أفضل من هذا، أو من ذاك؛ عليه أولاً أن يقارن بين الكتاب المختصر وبين الأصل، ولا يمكن لأحد أن يحكم إلا بعد أن يقارن مقارنة دقيقة في مواضع كافية مجزئة من الكتاب، ثم بعد ذلك يحكم، ونحن كما ترون الآن في سورة "يس" يعني أكثر من عشرين جزءاً، الآن بدأنا في الثالث والعشرين ونقارن من سورة الفاتحة أليس كذلك؟ إخوان معهم النسخ، وكان أحد الإخوان يكتب الفروقات فيما يذكر هنا من هذه الأشياء، لكن هي يسيرة، ولا تؤثر في قيمة كتاب بهذا الحجم، وما من كتاب يسلم، والله أمر بالعدل، وكل أحد يختصر يبقى هناك من يخالفه في بعض المواضع، هو كان ينبغي أن لا يحذف، أو ينبغي أو إلى آخره لا بد أن يقع نقص، ويكون هناك مجال للإدراك، ولكن التسديد أن يعطى هؤلاء الذين قاموا على هذا العمل هذه الأشياء من أجل أن يستدركوها بطبعات سابقة، أما أن يُهضم الكتاب، ثم تُذكر أشياء ليست بالصفة التي ذكرت؛ فهذا غير صحيح، أنا أذكر هذا لأنه يوجد في بعض المواقع في الإنترنت كتابات رأيت فيها شيئاً من هذا، وسألني أحد الإخوان وقال: أي المختصرات كذا وكذا؟ وكأنه قرأ بعض ما كتب فيتأثر بعض الناس في مثل هذه الكتابات - والله المستعان -، وبعض من يكتب ملاحظات في كتبه التي طبعت طبعات كثيرة جداً من الملاحظات أضعاف، أضعاف، أضعاف، أضعاف، أضعاف ما يذكر مما قد لا يتبين له أصلاً في مسائل وقضايا دقيقة قد تحتاج إلى تحرير، ومن ثم يتبين المعنى، وهذه أمور أحياناً تحتاج إلى ملكة يعني ما ترجع لمجرد القراءة، والنظر، والمقارنة أبداً، وإنما ترجع إلى الملكة فيكون عند الإنسان بصر في بعض هذه الأمور، وإلا يقع في أخطاء كثيرة دون أن يشعر، لو قرأه مائة مرة لا يستدرك هذه الأشياء، ولذلك بعض الناس أحياناًَ يقول: أين الملحوظات، نقول: الملحوظات تحتاج أن تجلس، ثم تُوقف على واحدة وما وجه ذلك؟ يعني يحتاج أن يشرح لك لماذا هذا؟ لا يمكن أن تكتب هذه الملحوظة بكلمتين على الهامش كملحوظة، غاية ما هناك أحياناً يحتاج أن يضع الخط الأحمر بجانبها فقط: ماذا تكتب؟ فإذا كثرت هذه أحياناً تَثُول، ما تستطيع أنك تأتي بهذا، وتشرح له كل موضع لماذا هذا الكلام الذي قاله غير صحيح؟ يحتاج إلى شرح - والله أعلم -.
- رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، برقم (1017).