"وقوله: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ قال مجاهد: وحلائلهم فِي ظِلالٍ أي: في ظلال الأشجار عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ".
يعني فِي ظِلالٍ الأشجار المقصود أن الجنة ليس فيها شمس، فِي ظِلالٍ الأشجار، أو ظلال الفرش والستور التي تكنّهم؛ لأن الأرائك كما سيأتي تكون عليها مثل الستور في أعلاها؛ فيكونون في ظل هذه الستور، رأيتم بعض الأسرّة - غرف النوم - يكون عليها مثل السقيفة على السرير؛ فهذه يقال لها: الأريكة، وإن كان إطلاق الأريكة اليوم على المواضع التي يُجلس عليها بطريقة معينة للاسترخاء، يقال لها: أريكة، لكن السلف أهل اللغة يفسرون الأرائك بما ذكرت: السرر في الحجال، فيكون عليها مثل السقيفة من الستور، فتلك الأرائك، فهنا الله - تبارك وتعالى - يقول: فِي ظِلالٍ هذه الظلال يمكن أن تكون في ظلال القصور التي يسكنونها، أو في ظلال الأشجار، وليس ذلك يعني أن هناك شمساً، الجنة ليس فيها شمس، وليس فيها حر، ولكن الله - تبارك وتعالى - يذكر ألوان النعيم كما قال : وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ [سورة الواقعة:29]، وقد مضى الكلام في بعض المناسبات أن الطلح فيه قولان مشهوران: الأول: أنه شجر الشوك المعروف، قد قطع شوكه، وأن ذلك حينما يذكر للعرب - وهم في بلاد حارة - يكون قد خاطبهم الله بما يعقلون، فإن ذلك في غاية اللذة، والنعيم؛ لأنهم بحاجة ماسة إلى الظل، إذا وجد مثل هذا الشجر الذي ليس له شوك قليل فهذه من الأماني عندهم؛ لأن الشجر في بلادهم الذي يستظلون به في أسفارهم، وتنقلاتهم؛ مليء بالشوك، والشوك صلب، فإذا أردت أن تجلس تحت بعض ذلك الشجر فلا بد من شيء من العمل، والمعاناة في توقّيه أو إزالته كما هو معروف، فإذا ذُكر لهم شجر ظليل بلا شوك مما يعهدون (طلح) فإن هذا أمر لا عهد لهم به، والقول الآخر معروف: وهو أنه شجر الموز، والشاهد هو الأول على ذلك القول، فذكر مثل هذا يحرك شيئاً في نفوسهم، والجنة دار النعيم، فإذا ذكر الظل (الظلال) وهم في بلاد حارة يحتاجون فيها إلى الظل، ويعانون من حر الشمس؛ مثل هذا لا شك أنه يأسر النفوس، والجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والله - تبارك وتعالى - يقول: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [سورة العنكبوت:64]، والشجرة في الجنة يسير الراكب تحت ظلها مائة عام لا يقطعها؛ وهذا أمر يحتاج تصوره إلى شيء من المعاناة حتى يتصور طول هذه الشجرة، وكم يحتاج أن يقطعها وهو في الطائرة، يقطع ظل هذه الشجرة، وأن ظل هذه الشجرة أو أن الأرض برمتها حبة من خردل بالنسبة لهذه الشجرة، الأرض بكاملها، حينما يقال: ظلال الجنة وما أشبه ذلك كما قال الله : وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ [سورة الواقعة:30-31] هذا الظل لا انقطاع له، مائة عام تحت ظل شجرة واحدة لا يقطعها، لكن يأسرنا ما نشاهده في مألوفنا في هذه الحياة الدنيا، فإذا ذكر نعيم الجنة بدأنا نتذكر شجرة ونحو ذلك بطول أربعة أمتار، وعرض أربعة أمتار؛ أعني ظلها.
"قال ابن عباس، ومجاهد وعكرمة، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، والسُّدِّيّ، وخُصَيْف: "الأرَائِكِ هي السرر تحت الحجال".
السرر تحت الحجال، ولهذا قال ثعلب - رحمه الله -: "لا تكون الأريكة إلا سريراً تحت قبة؛ ولهذا نقول: لا يصح حمل القرآن على اصطلاح حادث، الاصطلاح الحادث في الأريكة اليوم غير معنى الأريكة عند العرب الذين خوطبوا بالقرآن فِي ظِلالٍ فهذا أبهى، وأجمل، وأكثر في النعيم، مع أن الناس حينما يضعون ذلك في بيوتهم اليوم إنما يفعلونه من أجل التجمل به، والتزين، مع أن هذا الظل أو السقيفة لا يضعونها من أجل أن يستظلوا بها من الشمس أليس كذلك؟ ولكن هذا بزيادة التنعم، والتوسع في الملاذ، والزينة يفعلون ذلك، فكيف بحجال الجنة، أو بسرر الجنة، وأرائك الجنة؟!