السبت 24 / ذو الحجة / 1446 - 21 / يونيو 2025
وَهَدَيْنَٰهُمَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ۝ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ۝ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ۝ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ۝ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ ۝ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ۝ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [سورة الصافات:114-122].

يذكر تعالى ما أنعم به على موسى، وهارون؛ من النبوة، والنجاة بمن آمن معهما من قهر فرعون وقومه، وما كان يعتمده في حقهم من الإساءة العظيمة من قتل الأبناء، واستحياء النساء، واستعمالهم في أخس الأشياء، ثم بعد هذا كله نصرهم عليهم، وأقر أعينهم منهم، فغلبوهم، وأخذوا أرضهم، وأموالهم، وما كانوا جمعوه طول حياتهم".

قوله - تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ قال الحافظ - رحمه الله -: "من النبوة، والنجاة بمن آمن معهما من قهر فرعون، وقومه، وما كان يعتمد في حقهم من الإساءة العظيمة من قتل الأبناء، وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ فالكرب عند بعض المفسرين هو ما كان يقع علي بني إسرائيل من الإذلال، والمهانة، والعذاب الذي يوقعه فرعون على بني إسرائيل، أن هذا هو الكرب يستحيي نساءهم، ويذبح أبناءهم، وبعضهم يقول: إن المراد بذلك الْكَرْبِ الْعَظِيمِ هو النجاة حينما أغرق الله فرعون وقومه، فبنو إسرائيل جاوزوا البحر، وأغرق الله فرعون، ومن معه، والله - تبارك وتعالى - لم يحدد معنى بعينه، وإنما أخبر أنه نجاهم من الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، ولهذا فإن بعض المحققين من المفسرين كابن جرير، ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحم الله الجميع - يحمل ذلك على هذه المعاني، فيفسرون الكرب العظيم الذي نجاهم الله منه بالأمرين: نجاهم من الغرق، حيث أغرق فرعون ومن معه، ونجاهم من الظلم، والتسلط الذي كان يوقعه فرعون عليهم، نجاهم من هذا كله، وهذا كله من قبيل: الْكَرْبِ الْعَظِيمِ فهو يصدق على هذه الأشياء التي حصلت ووقعت في ذلك الحين، يعني انظر ما بعده وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ يصدق على كون الله - تبارك وتعالى - أغرق فرعون، ونجى بني إسرائيل، ويصدق أيضاً على أنه نصرهم عليه بعدما كان يستضعفهم وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [سورة القصص:5].

"ثم أنزل الله على موسى الكتاب العظيم الواضح، الجلي المستبين؛ وهو التوراة كما قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً [سورة الأنبياء:48]".

هنا وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ۝ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ۝ وَنَصَرْنَاهُمْ جاء الضمير بصيغة الجمع فذلك هل يرجع إلى موسى، وهارون - عليهما الصلاة والسلام -، ويقال: إن أقل الجمع اثنان، كما في أشهر الحج مثلاً يقال: أشهر الحج وهي شهران وعشرة أيام، ويقال عنها: أشهر الحج الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [سورة البقرة:197] فعبر بالجمع، وفي قوله تعالى: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [سورة النساء:11]، ويكون هذا النوع من الحجب - الذي هو حجب النقصان - باثنين من الإخوة فما فوق، ولهذا قال في المراقي:

أقلُّ معنى الجمعِ في المشتهرِ اثنان عند الإمام الحميري

يعني عند الإمام مالك - رحمه الله - وهذا لا يختص بالإمام مالك، بل قال به جمع حتى من أهل اللغة، فيمكن أن يكون ذُكرت باعتبار أقل الجمع، أو يكون للتعظيم وَنَجَّيْنَاهُمَا يعني موسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام -، ويحتمل أن يرجع ذلك وَنَصَرْنَاهُمْ يرجع إلى موسى، وهارون، ومن معهم من قومهم، قوله: إنه يرجع إلى موسى، وهارون - عليهما الصلاة والسلام - قال به بعض المفسرين، ولكن القول بذلك يرجع إليهما، وإلى قومهما؛ فعبر بالجمع لهذا "ونصرناهم" هذا الذي اختاره ابن جرير، والفراء، وجماعة أنه يرجع إليهما، وإلى قومهما، وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ، ثم رجع وقال: وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ فيكون النصر قد حصل لهم لموسى، وهارون - عليهما السلام -، ولقومهم.

"وقال هاهنا: وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ۝ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: في الأقوال، والأفعال".

فالكتاب المستبين هو التوراة.