قوله - تبارك وتعالى - هنا: إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ فإن هذا اللفظ من الأضداد من جهة المعنى، وذلك أنه يقال للذاهبين، والباقين، وبعضهم قال: إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ أي الباقين في العذاب، وبعضهم قال: إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ أي: الهالكين الذاهبين، ويمكن الحمل على المعنيين في مثل هذا المقام، وأن المقصود بذلك - والله تعالى أعلم - أنها ذاهبة وباقية يعني أنها بقيت في العذاب، وهلكت وذهبت في جملة من ذهب، وأن هذا كقوله - تبارك وتعالى -: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [سورة التكوير:17] بمعنى أقبل وأدبر، ونظائر هذا من المعاني المتضادة التي يمكن حمل اللفظ عليها، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [سورة القلم:20] يعني سوداء محترقة، أو بيضاء لا شيء فيها، وهذا كله لا إشكال فيه أنه قد ذهب منها ما كان فيها من الزرع لم يبقَ منه شيء، فمن قال: إنها بيضاء يعني ليس فيها زرع، ومن قال: سوداء يقصد أنها احترقت، فكان ذلك يرجع إلى شيء، أو إلى معنى واحد - والله أعلم -، وقوله - تبارك وتعالى -: وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ [سورة الحجر:76] مضى الكلام على هذا وأن الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يشير بذلك إلى البحر الميت، وهي البحيرة المنتنة، وبعض المؤرخين والمفسرين يقول: هذا كان موضع قرى قوم لوط تحولت إلى هذه البحيرة المنتنة، وهذا لا يثبت بدليل قطعي فيما أعلم، وإنما يذكره بعض المؤرخين، وذلك لو صح فإنه يمكن أن يقال معه بأنه لا يصح أن ينتفع بشيء من منتجات البحر الميت، وقد كثرت في هذه السنوات، بل الاستشفاء هناك، وتقام وحدات، ومنتجعات، وعيادات؛ يزعمون أنهم يتداوون بذلك من أنواع العلل، فإذا كان هذا موضع قرى قوم لوط فإنه لا يصح قصد ذلك، والتداوي به، أو تعاطي هذه المنتجات سواء كان بأكل، أو غيره، لكن هذا يحتاج إلى إثبات - والله أعلم -.