الجمعة 01 / محرّم / 1447 - 27 / يونيو 2025
إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ ۝ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۝ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۝ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ۝ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ۝ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ۝ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ ۝ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ۝ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [سورة الصافات:38-49].

يقول تعالى مخاطبًا للناس: إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ ۝ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [سورة العصر:1-3]، وقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ۝ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ۝ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [سورة التين:4-6]، وقال: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ۝ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [سورة مريم:71-72]، وقال: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۝ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [سورة المدثر:38-39]، ولهذا قال هاهنا: إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي: ليسوا يذوقون العذاب الأليم، ولا يناقشون في الحساب، بل يُتجاوز عن سيئاتهم، إن كان لهم سيئات، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، إلى ما يشاء الله تعالى من التضعيف".

قوله - تبارك وتعالى -: إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة، وقرأ الجمهور بكسر اللام إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ، والمخلِصين هذا بمعنى الإخلاص، فإن الله - تبارك وتعالى - يخلصهم لإخلاصهم، فالأول إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يعني الذين أخلصهم الله - تبارك وتعالى - لطاعته، وعبادته، وتوحيده، والإيمان به، وعلى القراءة الثانية إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ هذا يدل على أن الإخلاص من ثمراته العظيمة أن يكون سبباً للنجاة من عذاب الله - تبارك وتعالى -، وهذا أمر مقرر بأدلة كثيرة لا يحتاج إلى توضيح، والاستثناء هنا إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يحتمل أن يكون متصلاً، وأن يكون منقطعاً، وهنا قال: إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ ۝ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۝ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ إذا كان منقطعاً فهو بمعنى لكن، لكن عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم، وإذا كان متصلاً فيكون العذاب للجميع قال هنا: إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ ۝ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۝ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ما تجزون إلا ما كنتم تعملون، إن "ما" هذه للعموم ثم بعد ذلك استثنى إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ.