"إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قال ابن عباس: "يعني شهادة أن لا إله إلا الله"، وروى ابن أبي حاتم عن عَوْف: قلت لمحمد بن سِيرين: ما القلب السليم؟ قال: "يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور"، وقال الحسن: "سليم من الشرك"، وقال عروة: "لا يكون لعاناً".
هذه الأقوال الآن هل بينها اختلاف: لا يكون لعاناً، سليم من الشرك، سليم من كل ما يضاد ذلك، يعلم أن الله حق ... إلى آخر ما قيل، هل هذه الأقوال بينها اختلاف؟ هل نحتاج أن نرجح؟ الجواب: لا يحتاج هذا إلى ترجيح، سليم: ليس بلعان، والسلف يفسرون بعبارة تدل على المراد تارة بالمثال، وتارة بجزء المعنى، وتارة بعبارة مقاربة وما إلى ذلك، فهنا كيف نستطيع أن نفهم هذه الأقوال؟ نفهمها كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وكما يذكر ابن القيم في معنى القلب السليم إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [سورة الشعراء:89] ففسروا القلب السليم قالوا: السالم من كل آفة، السالم من الآفات التي أعظمها الإشراك بالله - تبارك وتعالى -، وهو سالم أيضاً من الغل الحقد، والحسد على أهل الإيمان وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [سورة الحشر:10] والقلب المشوش في هذه الأمور ليس بقلب سليم إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ سليم من كل آفة، وما عدا ذلك فهو قلب مريض إما بالشرك، فالكافر قلبه ميت، والمشرك قلبه ميت، وإما بالنفاق، فالمنافق النفاق الأكبر قلبه ميت، والمنافق الذي نفاقه دون ذلك في قلبه من المرض بحسب ما في قلبه من النفاق، وهكذا سائر الأدواء قال الله - تبارك وتعالى -: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [سورة الأحزاب:32]، فالقلب يمرض، والمريض لا يكون سليماً، فهذا الذي فيه ميل محرم للنساء، وتعلقٌ بالصور؛ ليس بقلب سليم، وهكذا القلب المريض بالأحقاد وما إلى ذلك ليس بقلب سليم، تقول: فلان قلبه سليم على إخوانه المسلمين يعني أن قلبه نقي أبيض لا يحمل على أحد، ولا يحقد على أحد، فكل هذا داخلٌ فيه.