الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أنكر عليهم عبادة الأصنام والأنداد، ولهذا قال: أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ۝ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ قال قتادة: "يعني ما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لاقيتموه وقد عبدتم غيره؟!"".

هنا إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ۝ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ قوله: أَئِفْكًا بعضهم يعربه أنه مفعول لأجله، وأن آلِهَةً مفعول لتريدون، يعني تريدون آلِهَةً من دون الله للإفك، يكون "إفكاً" مفعولاً لأجله مقدماً، وبعضهم يقول: إن إفكاً مفعول لتريدون، وآلهة بدل أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ يعني تريدون إفكاً ما، وهذا الإفك آلهة، فيكون بدلاً منه أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ۝ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ قال قتادة: "يعني ما ظنكم أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره"، هذا الذي عليه عامة المفسرين، وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِين يعني ما ظنكم أنه فاعل بكم، وبعضهم يقول: المعنى فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أيّ شيء توهمتموه بالله حتى عبدتم معه غيره - يعني من النقص -؟ توهمتم أنه بحاجة إلى أعوان، بحاجة إلى وسطاء وما أشبه ذلك، ما هذا الظن السيئ الذي أوقعكم بهذا الإشراك والكفر بالله - تبارك وتعالى -؟

والحافظ ابن القيم - رحمه الله - إذا تتبعت كلامه في هذه القضية في أكثر من موضع في كتبه تجد أنه في هذا الكلام جمع بين القولين، وإن لم يذكر الأقوال، إنما يُعرف ذلك بمعرفة الأقوال في كتب التفسير، فمن قرأ كلام الحافظ ابن القيم لا يتفطن لهذا لأول وهلة، وإذا كان يعرف الأقوال وجد أنه عبر عن ذلك بعبارة - بجميع المواضع - تجمع بين هذه الأقوال، فابن القيم - رحمه الله - هنا يقول: أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ۝ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ إذا لاقيتموه وقد أشركتم به أنه فاعل بكم؟، فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ حيث أشركتم به غيره، هل كان ذلك باعتبار أنكم تتوهمون العجز، والضعف فيه، فهو بحاجة إلى شركاء، أو أنه لا تبلغه حاجاتكم، فيحتاج إلى من يبلغه ذلك، أو أنه مثل المخلوقين يحتاج إلى وسطاء، فعبدتم هؤلاء ليقربوكم إلى الله زلفى، ما ظنكم برب العالمين، ما هذه الظنون؟ كل من أشرك بالله - تبارك وتعالى - فقد أساء الظن به، فالحافظ ابن القيم يجمع هذه جميعاً، ما ظنكم أنه فاعلٌ بكم؟ وما هذه الظنون الكاذبة السيئة التي أوقعتكم في هذا الإشراك؟ لكن عامة المفسرين على الأول فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أنه فاعلٌ بكم؟ مع أن ظاهر الآية يحتمل هذا وهذا، وإنما جرى ابن القيم - رحمه الله - على ما سبق باعتبار أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين فأكثر ولا يوجد ما يمنع من حملها على هذه المعاني فلا إشكال من حملها على الجميع.