الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَقَالُوا۟ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلْأَشْرَارِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال: وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ ۝ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ [سورة ص:62-63] هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفتقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا: ما لنا لا نراهم معنا في النار؟

قال مجاهد: هذا قول أبي جهل يقول: ما لي لا أرى بلالاً، وعماراً، وصهيباً، وفلاناً وفلاناً، وهذا ضرْب مثَل، وإلا فكل الكفار هذا حالهم: يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار، فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم فقالوا: مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ ۝ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أي: في الدار الدنيا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ يسلون أنفسهم بالمُحال يقولون: أو لعلهم معنا في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم".

يعني في قول ابن كثير - رحمه الله -: هذا ضرْب مثَل يقصد أنه من قبيل التفسير بالمثال، يعني أن قول من قال: إن أبا جهل، والكبراء؛ مثلاً كأبي لهب ونحو ذلك يقولون: ما لنا لا نرى رجالاً كبلال، وعمار ونحو ذلك؛ لأنهم كانوا يحتقرونهم، ويستهزئون بهم في الدنيا، ما لنا لا نراهم معنا في النار؛ افتقدوهم، يقول: هذا ضرب مثل يعني من قبيل التفسير بالمثال، وإلا فهذا في عموم الكفار، فالكبراء، وأهل الإضلال ونحو ذلك، بل أهل النار عموماً يفقدون أناساً كانوا يسخرون منهم في الحياة الدنيا، لكن لما كانت السخرية غالباً إنما تقع من القادة، والكبراء؛ فإن كثيراً من السلف من المفسرين يذكرون أن الذين قالوا ذلك هم القيادات، هم الكبراء، هم أصحاب التوجيه، والرأي وما إلى ذلك، يقولون: مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ في الدنيا، ويقولون: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [سورة الأحقاف:11] فهم يحتقرونهم، ويزدرونهم، ويرون أنهم ليسوا على شيء.

أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا في قراءة متواترة لأبي جعفر، ونافع، والكسائي بالضم يعني: أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا من التسخير، يعني مسخرين لنا كأعبُد، وخدم، ومماليك، وما إلى ذلك، أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا، وعلى قراءة الجمهور أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا القراءة التي نقرأ بها يعني: محلاً للاستهزاء، والتندر، والسخرية بهم، وما كانوا عليه من حال، وهيئة، وعمل، يعني جعلوهم محلاً للتندر، والاستهزاء، وشغلهم ذلك عن عبادة الله، وطاعته، وتوحيده، كما مضى الكلام على هذا في بعض المناسبات فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي [سورة المؤمنون:110]، حَتَّى أَنسَوْكُمْ يعني: اشتغلوا في الدنيا بالسخرية، والتندر بهؤلاء، وكتابة المقالات، والأعمدة، ليس له شغل إلا الأخيار حتى أنسوه ذكره، يكون بمعنى إلى الفاعل، أو إلى المفعول، حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي أنسوهم ذكر الله فلم يذكروه، أو أنسوهم ذكره الذي هو مذكور الرب - تبارك وتعالى - وهو القرآن تكلم به فلم يقرءوه، ولم يعملوا به، ولم يرفعوا بذلك رأساً، فهم مشغولون بهؤلاء الصالحين، وبهؤلاء الأخيار يتندرون بهم، ويسخرون منهم، ويكذبون عليهم، ويستهزئون بهم؛ حتى أنسوهم طاعة الله، وعبادته، فهنا يقولون: أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ، وإذا نظرت إلى بعض الكاتبين، وإلى بعض الأشرار في برامجه؛ انظروا الآن في كثير من بلاد الله في مصر مثلاً، هؤلاء الذين ليس لهم هم إلا الوقيعة بالأخيار، والاشتغال بهم، وتنفير الناس منهم، والكذب عليهم، فهؤلاء يسخرون منهم، والله يقول عن قيل أهل النار: أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ، وزيغ البصر يعني: ميل البصر عن مراده، يعني هم في النار لكن لا نراهم، أين هم؟ لماذا لا يكونون معنا، ولا نشاهدهم في النار؟ ما لنا لا نراهم معنا في النار؟ قال مجاهد: هذا قول أبي جهل، إلى آخره، - والله المستعان - وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ ۝ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أي: في الدار الدنيا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ يقول: يسلون أنفسهم بالمُحال، يقولون: أو لعلهم معنا في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم.

قال: فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله : وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ إلى قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [سورة الأعراف:44-49]".