"وقوله - تبارك وتعالى -: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع "الحق" الأول، وفسره مجاهد بأن معناه: أنا الحقُّ، والحقَّ أقول، وفي رواية عنه: "الحقُّ مني، وأقول الحقَّ"، وقرأ آخرون بنصبهما".
الآن يقول: قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول، قال: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ هذه قراءة متواترة هي التي نقرأ بها قراءة عاصم، وبها قرأ حمزة أيضاً من السبعة، وهي قراءة مجاهد بن جبر من التابعين، قال: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ قال: برفع الحق الأول، وفسره مجاهد بأن معناه: أنا الحقُّ، قال: فَالْحَقُّ يعني: فأنا الحقُّ، وَالْحَقَّ أَقُولُ وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.
قال وفي رواية عنه يعني عن مجاهد: "الحقُّ مني، وأقول الحقَّ".
فأنا الحق، قال: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ أنا الحقُّ، وعلى هذا يكون الحق خبراً لمبتدأ محذوف "أنا" مبتدأ، الحقُّ: خبر، أو الحقُّ مني، الحق: مبتدأ وما بعده يكون خبراً، الحق مني، أو يكون الخبر مذكوراً، فالحقُّ لأملأن جهنم، فالخبر: لأملأن، نحن لا نشتغل بالإعراب، ولكن ما يتوقف عليه فهم المعنى، أحياناً لا يتصور المعنى إلا بالإعراب قال: وَالْحَقَّ أَقُولُ.
"قال: "وقرأ آخرون بنصبهما"، قال: "قال السدي: هو قسم أقسم الله به"".
يعني: قرأ آخرون بنصبهما، قال هنا: قَالَ فَالْحَقَّ وَالْحَقَّ أَقُولُ، وهذه أيضاً قراءة متواترة قرأ بها بقية السبعة، يعني هذه قراءة الجمهور فَالْحَقَّ وَالْحَقَّ أَقُولُ بأي اعتبار فَالْحَقَّ؟ بعضهم يقول: هذا قسم، أن الله أقسم بالحق، قال: فَالْحَقَّ حذف منه حرف القسم فنصب بنزع الخافض، فَالْحَقَّ يعني كأن الأصل قال: أقسم بالحقِّ، قال: فبالحقِّ، فلما حذف حرف القسم الباء انتصب بنزع الخافض، فَالْحَقَّ، وبعضهم يقول: ليس فيها قسم، وإنما الأولى تكون منصوبة على الإغراء الزموا الحقَّ، وَالْحَقَّ أَقُولُ تكون "الحقّ" الثانية منصوبة بفعل يفسره ما بعده أَقُولُ يعني: وأقول الحقَّ، فَالْحَقَّ الزموا الحقَّ، وَالْحَقَّ أَقُولُ يعني: وأقول الحقَّ، مفعول به منصوب - والله أعلم -.
وهنا قال السدي: "هو قسم أقسم الله به" إذا كان قسماً فيكون على النصب باعتبار أنه بنزع الخافض كما سبق، والخافض هو حرف الجر، فحين يحذف ينتصب الفعل، ولا يكون مجروراً في اللفظ.