الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَمِيعًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا ۝ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا ۝ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ۝ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء:71-74].
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة، والعدد، وتكثير العدد بالنفير في سبيله.
ثُبَاتٍ أي: جماعة بعد جماعة، وفرقة بعد فرقة، وسرية بعد سرية، والثبات: جمع ثُبَة، وقد تجمع الثبة على ثُبين.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - قوله: فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ [سورة النساء:71] أي: عُصبا يعني: سراياً متفرقين أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا [سورة النساء:71] يعني: كلكم.
وكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وعطاء الخراساني، ومُقاتل بن حَيَّان، وخُصَيف الجَزَري."

أي أن المقصود بقوله: فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا [سورة النساء:71] أي بحسب المصلحة والحاجة، فقد تكون المصلحة في قتال العدو أن ينفروا إليه مجتمعين بجيش عرمرم، وقد تكون المصلحة في نفورهم مجموعات صغيرة لئلا يظفر بهم العدو، وذلك أن القوة أحياناً تكون بالتفرق وأحياناً تكون بالاجتماع، قال يعقوب لأبنائه: يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ [سورة يوسف:67].

مرات الإستماع: 0

"خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] أي: تحرزوا من عدوّكم، واستعدّوا له.

فَانفِرُوا ثُبَاتٍ [النساء:71] أي: اخرجوا للجهاد جماعات متفرّقين، وذلك كناية عن السرايا، وقيل إنّ: الثُبة ما فوق العشرة، ووزنها (فعلة) بفتح العين، ولامها محذوفة".

"ثُبة" فعلة، "ولامها محذوفة" فَانفِرُوا ثُبَاتٍ [النساء:71] أي: اخرجوا للجهاد جماعات متفرّقين، كناية عن السرايا" وليس المقصود من "اخرجوا متفرقين" أنهم يخرجوا أفرادًا، فهذا لا يحصل به مقصود الشارع، وإنما المقصود السرايا، بمعنى: أنه لا يخرج الجيش مع النبي ﷺ كما في تبوك، أو في فتح مكة، أو في أحد، أو في بدر، أو نحو ذلك من مغازيه - عليه الصلاة، والسلام -.

فَانفِرُوا ثُبَاتٍ [النساء:71] كناية عن السرايا، قال: "اخرجوا للجهاد جماعات متفرقين" يعني أو جماعة منفردة، فالثبة: هي الجماعة التي يثوب بعضها إلى بعض في الظاهر، وقيل: "الثُبة ما فوق العشرة، ووزنها فعلة".

"أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا [النساء:71] أي: مجتمعين في الجيش، [وفي النسخة الخطية: أي: مجتمعين في الجمع الكثيف] فخيرهم في الخروج، [وفي النسخة الخطية: فخيرهم بين الخروج إلى الغزو في قلة، أو في كثرة]".

مجتمعين في الجيش الكثيف، أو في الجمع الكثيف، فكل ذلك لا إشكال فيه.

ويصلح "فخيرهم في الخروج إلى الغزو في قلة، أو كثرة".