السبت 29 / جمادى الآخرة / 1447 - 20 / ديسمبر 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ حمٓ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

تفسير سؤرة المؤمن وهي مكية، قال ابن عباس - ا -: "إنّ لكل شيء لُبابًا ولُباب القرآن آل حم"[1].

هذه السورة سورة المؤمن يقول: مكية، كل الحواميم نزلت بمكة، وإن اختلفوا في بعض الآيات، وهذه السورة تُذكر لها أسماء متعددة مثل: سورة المؤمن، وكذلك أيضًا سورة الطَّوْل، ذِي الطَّوْلِ [سورة غافر:3]، ويقال لها غير ذلك أيضًا، لكن قال: حم الأولى يعني هي أول الحواميم في ترتيب المصحف.

قال: ولُباب القرآن آل حم، أو قال: الحواميم.

لكل شيء لباب، لباب الشيء هو خالصه، لكن هذا في إسناده ابن لهيعة، وفيه كلام معروف.

قال: وقال مِسْعَر بن كِدَام: كان يقال لهن: العرائس، وروى ذلك كلَّه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام - رحمة الله تعالى عليه - في كتاب "فضائل القرآن".

هذا الكتاب مطبوع، وهو من أجلّ كتب فضائل القرآن وأحسنها، وأنفعها، كتاب مسند لهذا الإمام المتقدم أبو عبيد، توفى سنة 224 للهجرة، وهذا الكتاب فيه أكثر من تسعمائة حديث وأثر مسند، رتبه على أبواب، ويذكر فيه مسائل وأشياء ويرجح، وهو من أجل الكتب في فضائل القرآن، وطبع عدة طبعات منها ما اعتُني فيه بالنص مثل الطبعة المغربية في مجلدين، وهناك طبعات يمكن أن يستفاد منها من جهة الحكم على الروايات والتخريج، فلو جمع هذا وهذا؛ لأن الطبعة المغربية قد لا يجد فيها القارئ بغيته من الكلام على الروايات فيجده في طبعة أخرى، فهذا كتاب جليل القدر.

قال: وروى حميد بن زنجويه عن عبدالله قال: "إن مثَل القرآن كمثَل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلًا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دَمِثات، فقال: عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجب، فقيل له: إن مثَل الغيث الأول مثَل عِظَم القرآن، وإن مثَل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن"، أورده البغوي.

إذا أطلق عبد الله فالمراد به ابن مسعود ، ودَمِثات يعني لينات، دمث الخلق يعني لين الخلق.

قوله: "إن مثل الغيث الأول" يعني سور القرآن، وآيات عامة القرآن، وعِظم القرآن: معظم آيات وسور القرآن.

وهذا الأثر ثابت عن ابن مسعود ، لكنه موقوف.

وقال ابن مسعود : "إذا وقعتُ في آل حم فقد وقعت في روضات أتأنق فيهن".

بسم الله الرحمن الرحيم

حم ۝ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [سورة غافر:1-3].

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا، وقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عمن سمع رسول الله ﷺ يقول: إنْ بُيِّتم الليلة فقولوا: حم، لا ينصرون​​​​​​​[2]، وهذا إسناده صحيح.

يعني إن بيَّتكم العدو - جاء بألفاظ مقاربة - فقولوا: حم، لا ينصرون، يعني يكون هذا شعارًا لهم في المعركة، ففي بدر كان لهم شعار، وأُحد كان لهم شعار، حم لا ينصرون، وكان هذا فيما بعد أيضًا في الوقائع التي حصلت بين الصحابة صفين، والجمل، محمد بن طلحة السجّاد - رحمه الله - لما قتله الرجل الذي قال فيه:

يناشدني حاميمَ والرمحُ شاجرٌ فَهَلّا تلا حاميمَ قبل التقدُّمِ

لكن ما كان يقول: حم لا ينصرون، كان يقول: ناشدتك أذكِّرك حم كلما قابل أحداً، كان هو الذي يحمل راية أهل الشام، خرج برًا بأبيه، محمد بن طلحة السجاد، كما خرج عبد الله بن عمرو بن العاص وهو من عباد الصحابة، وعلمائهم بِرًا بأبيه مع أهل الشام.

يقول: إن حم اسم من أسماء الله، هذا قيل في الحروف المقطعة في أوائل السور، ذكر فيها كما سبق نحو أربعين قولًا، منها أنها أسماء، وسبق أن هذا غير صحيح، وأن الحروف المقطعة حروف تهجٍّ ليس لها معنى في نفسها، ولكنها تشير إلى الإعجاز، وهكذا قيل في "طه" وفي "يس"، وفي "الم" فمثل هذا حذفه هو الأولى في المختصر، وحينما قال:

يناشدني حاميمَ والرمحُ شاجرٌ فَهَلّا تلا حاميمَ قبل التقدُّمِ

لا يقصد يناشدني الله، إنما كان يقول: اذكر حم، يعني السورة، وتكلم العلماء ماذا يقصد فيها.

قال: وَقَوْلُهُ: تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيْ: تَنْزِيلُ هَذَا الْكِتَابِ - وَهُوَ الْقُرْآنُ - مِنَ اللَّهِ ذِي الْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ، فَلَا يُرَامُ جَنَابُهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ الذَّرُّ وَإِنْ تَكَاثَفَ حِجَابُهُ.
  1. لم أجده بهذا اللفظ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: "لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ، وَسَنَامُ الْقُرْآَنِ الْبَقَرَةُ، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ لُبَابًا، وَلُبَابُ الْقُرْآَنِ الْمُفَصَّلُ، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لِتَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ أَصْغَرَ الْبُيُوتِ لَلْجَوْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ شَيْءٌ"، برقم (8644)، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (2/135)، في الكلام على حديث رقم (588).
  2. رواه الترمذي، كتاب الجهاد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الشعار، برقم (1682)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (3097).