الثلاثاء 20 / ذو الحجة / 1446 - 17 / يونيو 2025
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُوا۟ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّهُۥ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة غافر:21-22].

يقول تعالى أولم يسر هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، أي: من الأمم المكذبة بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة، وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ [سورة غافر:82] أي: أثروا في الأرض من البنايات والمعالم والديارات ما لا يقدر هؤلاء عليه كما قال : وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ [سورة الأحقاف:26].

"إن نافية" يعني فيما لم نمكنكم فيه، يعني فيما لم يحصل لكم فيه التمكين والقدرة، وقد مضى الكلام على هذا المعنى بمناسبات سابقة، أن الأمم التي أهلكها الله كانوا أهل قوة وشدة وعمروا الأرض، وهذه بعض آثارهم نشاهدها، ولربما يعجز أهل العصر عن إدراك بعضها، ومعرفة صنعته كما هو معروف، فالله أعلم كم كان عندهم من القدر والإمكانات، وقوة الأبدان، والخلق، كل هذه أشياء أشار إليها القرآن، وآثارهم موجودة أو بعض آثارهم، ولكن الناس لا يعرفون إلا ما عافسوا وعايشوا وعاصروا، ويغيب عنهم ما سواه، فيظن الناس في هذا العصر أنهم قد حصلوا أسباب القوة والتمكين، وأنهم حصلوا من أسباب المعرفة والعلم وما إلى ذلك ما لم يحصل لمن قبلهم، وهذا الكلام فيه نظر، والله تعالى أعلم، أنا لا أعرف رأيت بعض الصور في الإنترنت إن كانت صحيحة لأنني لا أثق بالصور التي في الإنترنت؛ لأنهم يعبثون بها، لا أعرف رأيت صوراً لأجساد ضخمة، يعني آدم ﷺ طوله ستون ذراعًا، أي خمسة وثلاثون متراً، جثة إنسان يعني هم حفروا عنه القبر، خندق في الأرض ضخم، وعظامه كاملة، والرجل عند جمجمته كأنه فَرْخ، ثم بعد ذلك بعدما رفعوه وضعوه على مكان مرتفع مثل الطاولة أو النعش أو شيء من هذا القبيل، والناس يطوفون به أمثال الذر بجانبه، صغار، يعني كأنها طائرة جاثمة تمامًا، وانظر إلى الناس حول الطائرة كيف أنهم صغار، كيف أنهم يحتاجون إلى سلم حتى يصعدون عليه، حينما أقاموه وضعوه بصورة كأنه قائم واقف يصعدون بسلم، مثل هذه الأشياء إن صحت فمثل هؤلاء من المخلوقين بهذه المثابة وبهذه الضخامة ماذا يساوي الناس اليوم بالنسبة إليهم؟ لا شيء، واحد من هؤلاء يطأ الناس جميعًا، لو جئت له بآلاف الناس ميدان ممتلئ بالناس يمشي ويطأ عليهم جميعًا بقدمه، وربما لا يصدق أن هؤلاء من جنسه، وأنهم من ذريته، يحملهم في كفه، هذا ذكَّرنا ببعض الأشياء التي كانت في الروايات الإسرائيلية إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ [سورة المائدة:22]، فكان هناك أشياء فيها مبالغات، لكن مثل هذا يذكِّر بهم بما قالوا: إنه حملهم في سلة وذهب بهم إلى الملك، وكان في مزرعته فرآهم رأى هذا الوفد الذين جاءوا من الإسرائيليين طليعة الجيش فأخذهم بسلة، سلة الفاكهة، وذهب بهم وضعهم بين يدي الملك هذا الضخم، قد يكون فيه مبالغة، وهل كان الناس بهذه الصورة في عهد موسى ؟ ممكن أطول منهم بمترين بشيء من هذا القبيل، يعني ممكن يُتصور لكن بهذا الحجم؟ على كلٍّ ذلك كان في الأولين، ولم يزل الخلق كما أخبر النبي ﷺ ينقص، فالشاهد أن مثل هؤلاء عمروا الأرض؛ ولذلك كما ذكرت في بعض المناسبات أن هذه الأهرام الضخمة التي بنيت من هذه الحجارة الضخمة، ما الذي رفع هذه الحجارة؟ ما الآلات التي رفعتها وجعلتها في هذه التناسق؟ ما الآلات التي قطعت هذه الحجارة بهذه الطريقة ثم عمرت بحيث إن بعض هذه الأهرام تدخلها الشمس صيفًا وشتاء بحسب منازل الشمس، دقة عجيبة، وقلت: إن كثيرًا من أهل العلم يقولون: إن هذه لم يعرف من بناها بعد الطوفان، وإن التاريخ الذي عُرف ودُوِّن إنما هو بعد الطوفان، أما قبل الطوفان فلا يعرف، ولهذا بعضهم يقول: إن الذي بناها هو إدريس ﷺ باعتبار أنه كان قبل نوح - عليهما الصلاة والسلام - كما هو معروف في القول الآخر للمؤرخين في ترتيب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وفي زمانهم، فالمقصود أن مثل هذه الأشياء العجيبة الهائلة في هذا النحت الدقيق، مدائن صالح، كيف تُنحت الصخور بهذه الطريقة، وبهذا النقش الدقيق العجيب الذي لا زال إلى اليوم مع تطاول الزمان وعوامل التعرية؟، كيف يستطيعون فعل مثل هذه الأشياء؟، هذا كله يدل على هذا المعنى، والله أعلم.

وقال تعالى: وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا [سورة الروم:9] أي: مع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد أخذهم الله بذنوبهم، وهي كفرهم برسلهم، وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ [سورة غافر:21] أي: وما دفع عنهم عذاب الله أحد ولا رده عنهم راد، ولا وقاهم واق، ثم ذكر علة أخذه إياهم وذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها فقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ أي: بالدلائل الواضحات والبراهين القاطعات، فَكَفَرُوا أي: مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا فأخذهم الله تعالى أي: اهلكهم ودمر عليهم، وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [سورة محمد:10]، إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ أي: ذو قوة عظيمة وبطش شديد، إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ أي: عقابه أليم شديد وجيع، أعاذنا الله - تبارك وتعالى - منه.