السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ۝ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ۝ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ۝ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ۝ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ۝ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ۝ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ۝ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [سورة غافر:69-76].

يقول تعالى: ألَا تعجب يا محمد من هؤلاء المكذبين بآيات الله ويجادلون في الحق بالباطل كيف تُصرف عقولهم عن الهدى إلى الضلال؟!، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا أي: من الهدى والبينات، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ هذا تهديد شديد ووعيد أكيد من الرب لهؤلاء، كما قال تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [سورة المرسلات:15].

قوله - تبارك وتعالى - في صفة هؤلاء المجادلين في آيات الله مع وضوحها وظهورها: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا الكتاب هنا يحتمل أن تكون "ال" عهدية، بمعنى أنه القرآن، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ يعني هذا القرآن، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فيكون الذي بعده - هذا الذي أرسل الله به الرسل - هي الكتب التي أنزلها على الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ أي: القرآن وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا يعني سائر الكتب، كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [سورة البقرة:285].

وهذا قال به كثيرون ممن فسروا قوله: بِالْكِتَابِ أنه القرآن قالوا: وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا يعني سائر الكتب، إلا أن ابن جرير -رحمه الله- قال: وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا يعني من توحيد الله - تبارك وتعالى - وإخلاص العبادة له، يعني أن هذا أمر مشترك أن الله أرسل الرسل جميعًا يدعون إلى عبادة الله وحده، أوحى إليهم جميعًا وأمرهم أن يقولوا للناس: اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة الأعراف:59]، فابن جرير يقول: الذي أرسل الله به الرسل هو الأمر بالإخلاص والتوحيد والعبادة، والذين قالوا: وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا يعني الكتب السابقة قولهم أوسع وأشمل مما قاله ابن جرير - رحمه الله -؛ حيث إنه يتضمن ما ذكره ابن جرير؛ لأن هذه الكتب قد تضمنت هذا المعنى، ودلت عليه دلالة ظاهرة، بل هو المقصود من بعث الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وكل ما فيها من التفاصيل بأنواع التعبدات فهي داخلة في عبادة الله والإخلاص له وتوحيده، فكل هذه العبادات هي توحيد، كل ما يعمله الناس طلبًا لمرضاة الله - تبارك وتعالى - مما شرعه لهم فهو من جملة توحيده إذا صحت فيه مقاصدهم، ومن أهل العلم من يقول: إن "ال" للجنس في الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ يعني كذبوا بالكتب، وعلى هذا هنا ابن جرير يقول: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا يعني من الهدى والبيان، والذين قالوا: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ يعني سائر الكتب جنس الكتب قالوا: وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا أي مما أوحى الله إليهم مما ليس في كتبهم، يعني كما أوحى الله إلى النبي ﷺ بالسنة، وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا يعني القدر الزائد على ما في الكتب المنزلة، يعني كذبوا بالوحي في صورة كتاب أو فيما كان زائدًا على ذلك، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.