قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ [سورة الدخان:43-50].
يقول تعالى مخبرًا عما يعذب به الكافرين الجاحدين للقائه إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ والأثيم أي في قوله وفعله وهو الكافر، وذكر غير واحد أنه أبو جهل، ولا شك في دخوله في هذه الآية ولكن ليست خاصة به، روى ابن جرير أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلاً إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ فقال: طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء : قل إن شجرة الزقوم طعام الفاجر، أي: ليس له طعام من غيرها، قال مجاهد: ولو وقعت قطرة منها في الأرض لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، وقد تقدم نحوه مرفوعًا.
هنا ما جاء عن أبي الدرداء حينما قرأ هذا الرجل: طعام اليتيم، الرجل يقرأ هكذا، يعني هو ما عرف يقرأ: الأثيم، فقال أبو الدرداء: قل: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر، وهذا أيضًا جاء عن ابن مسعود ، فهل هذا الذي قالاه من باب القراءة؟ أي أنهما ذكرا له وجهًا من أوجه القراءة، هل هذا هو المراد؟ يعني هل هذه قراءة؟ بعض العلماء يقول: نعم هذه قراءة، ولكنها ليست قراءة متواترة كما هو معروف، ولم يكن لهما أن يقولا له ذلك من عند أنفسهما؛ لأن القراءة مبناها على السماع والتلقي، التوقيف، وليس لأحد أن يأتي بلفظ من عنده، وهذا الذي مشى عليه في ظاهر كلامه الباقلاني في كتابه "الانتصار لنقل القرآن"، هذا الكتاب كان المطبوع منه مختصرًا - تهذيبًا - في جزء، وقبل سنوات قريبة طبع كاملاً، يعني طبع الموجود من الكتاب في ثلاثة مجلدات، كتاب كبير، وهو كتاب نافع جدًا، فيه رد على الطاعنين في القرآن من الرافضة والنصارى وغيرهم، فيرد عليهم هذه الأشياء التي يلبِّسون بها، ومثل هذه الأشياء الآن طعام الفاجر هل له أن يأتي بكلام من عنده؟ هل في القرآن زيادة، أو نقص، أو تحريف؟، والمستشرقون يأخذون مثل هذه الأشياء ويلبسون بها على الناس، وهكذا أيضًا تجد ذلك في الشبهات التي تبث الآن في وسائل الاتصال وما إلى ذلك، فمن أهل العلم مثل الباقلاني في كتابه الانتصار يقول: هذه قراءة، وهذا الذي مشى عليه الزرقاني أيضًا في "مناهل العرفان"، بعض أهل العلم يقول: إن ذلك كان على سبيل التفسير وليس على سبيل الإقراء أو القراءة، إنما هو يفسر له، فقُرئت كذلك، هذا قاله النحاس، وابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز"، أن هذا من باب التفسير، قراءة تفسيرية طَعَامُ الْأَثِيمِ قال: الفاجر، وبعضهم يقول كالأنباري: إنه من باب التقريب؛ لأن الرجل كان يقرأ الأثيم: اليتيم، فهو يبين له أنها مادة أخرى، ليس الأثيم يعني اليتيم، يمكن أن يكون في سمعه شيء فهو يبين له أن الأثيم يعني الفاجر وليس اليتيمن تعرف تقرأ الفاجر، يعني اقرأ مثلها هناك في الأثيم، يعني أنه يقرب له اللفظة أنها ليست متصلة باليتم، وإنما المقصود مادة أخرى تتصل بالفجور من أجل أن يقرأ الأثيم قراءة صحيحة، هذا قاله ابن الأنباري، ويحتمل أن تكون قراءة غير متواترة، لكن أن يكون ذلك على سبيل الاختيار فهذا غير صحيح مع أنه ظاهر كلام صاحب الكشاف، هذا غير صحيح، ولا يجوز القراءة على المعنى، لا يجوز أن يبدل لفظة بلفظة من عند نفسه بزعم أنها تؤدي معناها، ولا يوجد لفظة تؤدي معنى اللفظة الأخرى من كل وجه، والقرآن كلام الله .