قوله: إلى الناس رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه، ولهذا بعضهم كصاحب التفسير الكبير يقول: إنا فعلنا ذلك الإنذار لأجل إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، قال: ولهذا قال تعالى: رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ رحمة: بعضهم يقول: إن رحمة هنا منتصب للعلة، يعني: أن هذه تعليلية، يعني أنزله للرحمة كما يقوله الزجاج من أصحاب المعاني، أنزلناه للرحمة، رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ أنزلناه رحمة، من أجل الرحمة، وبعضهم يقول: هذا مفعول لمُرسِلين، مرسلين رحمة كما يقوله المبرد، إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً، والرحمة هو محمد ﷺ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً [سورة الأنبياء:107] فإرساله رحمة للناس، وبعضهم يقول: رحمة هذا مصدر في موضع الحال، يعني حال كونك، أو يعني راحمين، والله أعلم، يقول: رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هذه القراءة هي قراءة الكوفيين بالجر رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ باعتبار أنه بدل من "ربك" "رحمة من ربك رب السموات والأرض"، أو أنه نعت له أو بيان، والمعنى واضح لكن على قراءة الجمهور بالرفع رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بعضهم يقول: إنه معطوف على السميع العليم فإنهما مرفوعان، هذه من جملة أوصافه، فيكون ذلك من قبيل عطف الأوصاف، وعطف الأوصاف تارة يكون مع ذكر الحرف، وتارة بإسقاطه، هذا في حال تعاقبها، وتتابعها كما في قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [سورة الأعلى:1-4] جاء بهذا وهذا، وقوله:
إلى الملِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ | وليثِ الكتيبةِ في المُزدَحم |
فجاء بالواو، ويحتمل أن يكون على الرفع جملة جديدة مبتدأ، وخبره "لا إله إلا هو"، أو أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض، هذا كله على الرفع، وَمَا بَيْنَهُمَا فالذي أنزل القرآن هو رب السماوات والأرض وما بينهما.
قوله - تبارك وتعالى -: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ، بعضهم يقول: هذا على الاستئناف، يعني هو ربكم، جاءت مرفوعة هو ربكم، أو أنه بدل من "ربُّ السماوات" على قراءة الجمهور بالرفع، أو نعت له أو بيان يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ إلى آخره.