أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ [محمد:10-13].
يقول تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا يعني المشركين بالله، المكذبين لرسوله فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي: عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم، أي ونجّى المؤمنين من بين أظهرهم، ولهذا قال تعالى: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فالسير في الأرض مضى في بعض المناسبات أن الله - تبارك وتعالى - يأمر به: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ [الأنعام:11] لمن كان عنده شك أو تردد أو تكذيب، من أجل أن يعرف ما حل بالمكذبين الكافرين.
وأن هذا إنما يتوجه لمثل هؤلاء، وأما غيرهم فإنهم ليسوا بحاجة إلى ذلك، أعني أهل الإيمان واليقين، فما في كتاب الله من الأمر بالسير في الأرض فهذا محمله، والله تعالى أعلم.
وهنا يخاطب هؤلاء الكفار: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ.
وقوله - تبارك وتعالى -: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هذا جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: ما حل بهم؟ ماذا نزل بهم؟
هنا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ما عاقبتهم؟
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ والتدمير هو الإهلاك.
يقول: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا يعني أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم المكذبة الكافرة المتمردة على الله - تبارك وتعالى -، المكذبة لرسله - عليهم الصلاة والسلام.
فالضمير يرجع عند طائفة من أهل العلم - أعني "الهاء" في وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا - إلى عاقبة الذين من قبلهم وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا أمثال عاقبة هؤلاء الذين مضوا، الذين من قبلهم، كما يقوله الزجاج، واختاره أبو جعفر بن جرير - رحمه الله.
وهنا تأمل في هذا: أن الله - تبارك وتعالى - قال: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا العاقبة واحدة، يعني أنه ذكرها مفردة، قال: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا الأمثال جمع، فهذا باعتبار أن العواقب متعددة بتعدد الأمم المكذبة الذين أنذرهم الله - تبارك وتعالى - مثل هذه العاقبة.
وبعضهم يقول: أَمْثَالُهَا يعني أمثال العقوبة، أو الهلكة، أو التدمير، والله تعالى أعلم.
لكن يبقى أيضًا أن "العاقبة" جنس، فهذه تصدق على الواحد والكثير: عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فكل قوم من هؤلاء الذين مضوا كانت لهم عقوبة تختص بهم.