وقوله : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هذا إخبار بأنه "لا إله إلا الله"، ولا يتأتى كونه آمرًا بعلم ذلك، ولهذا عطف عليه قوله : وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19].
وفي الصحيح: أن رسول الله ﷺ كان يقول: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي[1].
وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت[2].
وفي الصحيح أنه قال: يا أيها الناس: توبوا إلى ربكم، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة[3].
وقوله - تبارك وتعالى -: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ أي: يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم، كقولِه - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ [الأنعام:60].
وقولِه - -: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].
قوله - تبارك وتعالى -: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ الحافظ ابن كثير هنا فسره بقوله: يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم، في ليلكم، وذكر الشواهد في ذلك.
وهذا القول هو الذي يدل عليه ظاهر السياق - والله تعالى أعلم -، وهو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله.
وبعضهم يقول: يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ أي: في أعمالكم.
وهذا لا ينافي ما ذكر.
وبعضهم يقول: يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ متقلبكم في الأصلاب، ومثواكم في الأرحام.
وتخصيص المعنى بهذا لا دليل عليه.
وهكذا قول من قال: إن ذلك في الآخرة، أو يعلم متقلبكم في الأصلاب والأرحام، ومثواكم في الأرض، أو يعلم متقلبكم يعني أعمالكم، ومثواكم في الآخرة.
لكن الأقرب - والله أعلم - هو ما ذكره ابن كثير، واختاره ابن جرير: تصرفكم في نهاركم، ومستقركم في ليلكم.
- رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي ﷺ: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت رقم (6399)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم (2719).
- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله - تعالى -: يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ [الفتح: 15]، رقم (7499)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (769).
- رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب استغفار النبي ﷺ في اليوم والليلة، رقم (6307) من حديث أبي هريرة، بلفظ: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.