الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوٓا۟ أَعْمَٰلَكُمْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ۝ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۝ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:32-35].

يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله، وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئًا، وإنما يضر نفسه، ويخسرها يوم معادها، وسيحبط الله عمله، فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقّبه بردته مثقال بعوضة من خير، بل يحبطه ويمحقه بالكلية، كما أن الحسنات يذهبن السيئات.

وقد روى الإمام أحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، عن أبي العالية قال: "كان أصحاب رسول الله ﷺ يرون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ فخافوا أن يُبطل الذنب العمل"[1].

ثم روي عن ابن عمر - ا - قال: "كنا معشر أصحاب رسول الله ﷺ نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول حتى نزلت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش، حتى نزل قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصبها[2].

قوله - تبارك وتعالى - هنا في صفة هؤلاء: مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى هو الذي اقتضى اختلاف المفسرين في هذا الموضع، يعني أن أول الآية ظاهره العموم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ والاسم الموصول - كما هو معلوم - من صيغ العموم، فهذا يصدق على كل الكفار الذين هم بهذه المثابة.

لكن حينما قال الله : مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى فهذا في نوع من المشاقين والكافرين، ومن هنا حمله بعض أهل العلم على أهل النفاق، عرفوا الحق ثم بعد ذلك انحرفوا عنه، ووقعوا في النفاق.

وبعضهم يقول: إن ذلك في أهل الكتاب، عرفوا صفته ﷺ، وأن ما في كتبهم ينطبق على النبي ﷺ، ويصدق عليه، ولكنهم جحدوا وكفروا.

وبعضهم يقول: إنها في المطعمين يوم بدر، والمطعمون يوم بدر - كما هو معلوم - لما سار المشركون إلى بدر، فكان في كل يوم يطعمهم واحد من أهل الجدة من كبراء قريش، يطعمهم عشرًا من الإبل، ينحر عشرًا من الإبل، لكن هذا كأنهم نظروا فيه إلى قوله: وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فهذا أضعف هذه الأقوال.

وهنا الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله، وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئًا.

فهذا يصدق على المرتدين، كما أنه يصدق على المنافقين، وعلى كل من ينطبق عليه هذا الوصف: كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى وأهل الكتاب الذين عرفوا حقية ما جاء به ﷺ داخلون في ذلك.

ولكنها تصدق بصفة أو بصورة أولية على من دخل في الإسلام، ثم ارتد عنه ردة مكشوفة، أو دخل في باب النفاق.

وقوله: وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ سبق الكلام على هذا في مواضع من كتاب الله - تبارك وتعالى - وذكرنا أن "صد" تأتي لازمة ومتعدية.

"صد" لازمة، أي: صد في نفسه، تقول: فلان صدَّ وصادٌّ، يعني أنه انقبض، وبقي في حاله، وانطوى على نفسه.

ويمكن أن تكون متعدية: وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وقد ذكرنا هذا في مواضع، من ذلك في سورة المنافقين: أن هؤلاء يكون صدودهم بما ذكره السلف من المعاني: أنهم صدوا في أنفسهم، إذا فسرت بأنها لازمة.

وأنهم صدوا عن الدخول في الإسلام، صدوا الناس هذه متعدية، وكذلك صدوا عن اتباع النبي ﷺ، والجهاد في سبيل الله، والنفقة في سبيله: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:18] فهم يعوّقون ويثبطون، ويخذلون عن رسول الله ﷺ.

سَبِيلِ اللَّهِ أيضا مضى الكلام على هذا، وأنه غالبًا ما يأتي في القرآن بمعنى: الجهاد في سبيل الله، وقد يأتي بمعنى أوسع من ذلك.

فهنا: وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ صدوا عن الجهاد، وصدوا أيضًا عن اتباع النبي ﷺ، وعن دين الله - تبارك وتعالى.

وَشَاقُّوا الرَّسُولَ أيضًا ذكرنا أن المشاقة أصلها أن يكون هذا في شق وهذا في شق، مثل المحادة والعداوة، المحادة هذا في حد وهذا في حد، والعداوة هذا في عُدوة وهذا في عُدوة، يعني من شقي الوادي، أو من شفتي الوادي، أو من شاطئي الوادي، يقال: عدوة: إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى [الأنفال:42]، فهنا: وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى هؤلاء ما شأنهم؟

قال: لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا إذًا هؤلاء لن يضروا الله شيئًا؛ لأن الله - تبارك وتعالى - غني عن خلقه إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ [الزمر:7].

وكما جاء في الحديث القدسي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني[3].

فهؤلاء الذين ينتكسون ويرتكسون، ويرجعون بعد الإيمان: لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا؛ لأن الله غني عنهم، وغني عن خلقه أجمعين، إنما هم في الواقع يضرون أنفسهم، ويسيئون إليها، ويحملونها الأثقال والأوزار، ويتقوتون بما يصير بهم إلى النار، فهذا حالهم، وهذا شأنهم، وهذا هو مآلهم ومصيرهم، ولهذا نهى الله - تبارك وتعالى - نبيه ﷺ عن الحزن على الكافرين، وما يصدر عنهم: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6].

بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أي: مهلك نفسك، لكون هؤلاء لم يدخلوا في الإيمان.

وقال: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8] فالله -تبارك وتعالى- ينهى نبيه ﷺ عن الحزن بسبب كفر من كفر، وإعراض من أعرض، وضلال من ضل؛ لأن هؤلاء هانوا على الله فأهانهم، وصيّرهم إلى هذه الحال التي يرتكسون فيها.

ومثل هذا الخطاب يوجه أيضًا إلى أهل الإيمان: فلا تذهب نفوسهم حسرات بسبب ضلال من ضل، وشقاء من شقي، وإنما عليهم أن يبلّغوا دين الله - تبارك وتعالى -، ثم بعد ذلك الله يهدي من شاء من عباده، ويضل من شاء عن علم وحكمة.

فهنا قال: لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا، وقال: وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ وقد مضى الكلام على الحبوط، وأنه بمعنى الإبطال، النبي ﷺ قال: وإنّ كل ما أنبت الربيع يقتل حَبَطًا أو يُلم[4] يعني يقارب.

فالزهوق، البطلان، الإبطال كل ذلك بمعنى الحبوط، فالله - تبارك وتعالى - يحبط أعمال هؤلاء، بمعنى يبطلها ويذهبها.

والله - تبارك وتعالى - يأمر عباده بطاعته وطاعة رسوله ﷺ فلمّا ذكر حال هؤلاء الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، وما آل إليه أمرهم من حبوط الأعمال وجه الخطاب لأهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].

الإحباط، والحبوط بمعنى البطلان.

وأصل الحبوط يقال: للدابة إذا أكلت - كما سبق في الحديث - حتى انتفخ بطنها، ثم بعد ذلك هلكت، وإن مما أنبت الربيع ليقتل حبطًا انتفاخ بطن الدابة، قال: إلا آكلة الخضرة أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فاجترّت وثلَطَت[5]، فمثل هذا هو الذي يحصل به الانتفاع، وأما التي تأكل وبعد ذلك يتتابع أكلها من غير ما ذكر في الحديث فإن ذلك يؤدي إلى الحبوط، فيكون حتفها في هذا الأكل.

ولهذا نسمع أحيانًا في كلام المرأة لصغيرها، إذا حصل منه شيء من التدنيس والتلويث والتقذير بالنجاسات، أو نحو ذلك، لربما دعت عليه بهذا، وهي قد لا تفقه المعنى، تقول: "حَبَط" ولا زالت هذه الكلمة مستعملة إلى اليوم، تدعو عليه بهذا، وهي تدعو عليه بالهلاك.

وهنا: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ذكر ابن كثير - رحمه الله - أن ذلك في الكفر، وأن الردة هي التي تبطل الأعمال، وهذا صحيح في جنس الأعمال، فكل الأعمال يكون بطلانها وحبوطها بالردة عن الإسلام: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].

والله يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا [الفرقان:23].

ويكون بطلان الأعمال الجزئية يعني العمل المعين وليس كل الأعمال، يكون بمبطلات من ذلك الرياء والسمعة، والمقاصد السيئة، فالله أغنى الشركاء عن الشرك.

وكذلك أيضًا: لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى [البقرة:264]، فهذا مما يبطل الأعمال.

فمبطلات الأعمال تارة تكون سابقة لها، وتارة تكون مصاحبة، وتارة تكون تابعة، يعني أنها تحصل بعدها.

فيدخل فيه هذا وهذا، ولكن الذي يدخل فيه دخولاً أوليًّا هو ما يحصل به بطلان جميع الأعمال بالكفر، ولهذا أمر بطاعته وطاعة رسوله ﷺ، بخلاف حال أولئك الذين شاقوا الرسول ﷺ.

وهنا في قوله - تبارك وتعالى -: وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يعني أعمالهم التي عملوها يتقربون بها إلى الله - تبارك وتعالى -، هذا هو المشهور الذي عليه الجمهور.

وذهب بعض أهل العلم: إلى أن هذه الأعمال التي وعد بإحباطها هي الأعمال التي يكيدون بها دين الله - تبارك وتعالى - وأولياءه، يعني ما يبذلونه من الجهود والنفقات في سبيل إطفاء نور الله ، كما قال الله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] هذا قانون لا يتبدل ولا يتغير، فكل من بذل وأنفق، وجد واجتهد في سبيل إطفاء نور الله فإن ذلك يرجع إليه، ولا يضر الله شيئًا، وجهده وعمله وسعيه وبذله ونفقته، كل ذلك يبطله الله ، ويجعله حسرة عليه: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ هذه هي العاقبة.

أهل الإيمان يتيقنون هذا؛ لأن الله حكم به، ونواصي الخلق بيده، والملك ملكه، والخلق خلقه، فهو - تبارك وتعالى - العزيز القوي القاهر الذي لا يتعاصى عليه شيء، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يبطل حكمه وقضاءه وأمره.

لكن المعنى هنا: وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ المقصود بها الأعمال التي يرجون فيها الثواب، وهذا هو المستعمل في القرآن، هذا هو الذي يرد في نصوص الكتاب والسنة، أن المقصود الأعمال التي يتقربون بها إلى الله - تبارك وتعالى -، وهكذا في قوله: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ.

هنا في هذا الحديث الذي ذكره عن أبي العالية قال: "كان أصحاب رسول الله ﷺ يرون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب" إلى أن قال: فنزلت[6] هذا مرسل.

ثم أمر - تبارك وتعالى - عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال، ولهذا قال تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أي: بالردة، ولهذا قال بعدها: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، كقوله - -: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48] الآية.

هنا قوله: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أي: بالردة".

هذا - كما سبق - في إبطال جميع الأعمال، كل الأعمال تبطلها الردة.

وبعض السلف كالحسن يقول: "لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي".

وهذا مضى الكلام عليه: هل السيئات تبطل الحسنات أو لا؟

وأهل العلم لهم كلام في هذا، وذكرنا في: "شرح طريق الوصول إلى العلم المأمول" كلام أهل العلم في هذه المسألة، والحديث الذي ذكر فيه النبي ﷺ حال قوم يأتون من أمته يوم القيامة بأعمال صالحة، ومثّلها بجبال تهامة البيضاء، ثم بعد ذلك يبطلها الله ، وذكر أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[7].

فهنا لم يذكر الكفر والردة، فأخذ منه بعض أهل العلم: أن السيئات تبطل الحسنات.

وذكرنا: أن شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه المسألة يرى أن السيئة تبطل ما قابلها، وذكرت هناك: أن المتيقن من إبطال الحسنات يكون بالمبطلات لها من المقاصد السيئة، أو المن والأذى، والعجب، ونحو ذلك من الأدواء التي يحصل بها البطلان للعمل المعين.

لكن الحسن يقول: بالمعاصي.

والزهري يقول: بالكبائر.

كل هذا بناءً على المسألة السابقة: السيئة هل تبطل الحسنة أو لا؟

وجماعة من السلف كابن جريج والكلبي يقولون: الرياء والسمعة، وهذا لا شك أنه يبطل العمل المعين، أما الرياء والسمعة إذا دخلا في أصل الإيمان فإن ذلك يبطله بالكلية، يعني هذا هو النفاق، إذا كان آمنَ رياءً وسمعة، وتجد عبارات السلف هي تفسير بالمثال، واضح؟، كقول مقاتل مثلاً: إنه بالمن، تبطلوا أعمالكم، يعني بالمن.

ولكن كما سبق أن المبطلات على نوعين: مبطل عام، ومبطل خاص.

ويقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، تأمل هذه الآية، هي التي يستدل بها العلماء في هذا الباب على حبوط الأعمال بالموت على الكفر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فيكون عدم المغفرة، وحبوط الأعمال إذا مات على الكفر، لكن لو أنه حصلت له ردة ثم رجع إلى الإسلام فإن الله يغفر ما سلف، وأعماله ما حالها؟.

ترجع إليه، ولهذا اختلف أهل العلم في حج من حصلت له ردة، حج ثم ارتد، ثم رجع إلى الإسلام، هل يجب عليه أن يحج مرة أخرى باعتبار أن الحج الأول بطل أو لا؟

الأقرب: أن حجه صحيح، وأنه لا يجب عليه أن يحج ثانية.

  1. رواه المَرْوَزِي في تعظيم قدر الصلاة (2/645) رقم (698).
  2. رواه المَرْوَزِي في تعظيم قدر الصلاة (2/646) رقم (699).
  3. رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (2577).
  4. رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل النفقة في سبيل الله، رقم (2842)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، رقم (1052).
  5. المصدر السابق.
  6. رواه المَرْوَزِي في تعظيم قدر الصلاة، (2/645) رقم (698).
  7. رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب، رقم (4245)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (505) وفي صحيح الترغيب والترهيب، رقم (2346).