وقوله تعالى: هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ أي: لا يجيب إلى ذلك.
وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ أي إنما نقص نفسه من الأجر وإنما يعود وبال ذلك عليه.
وَاللَّهُ الْغَنِيُّ أي عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه دائما، ولهذا قال تعالى: وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء أي: بالذات إليه، فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه.
وقوله تعالى: وَإِن تَتَوَلَّوْا أي عن طاعته واتباع شرعه.
يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ أي: ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره.
آخر تفسير سورة القتال، ولله الحمد والمنة.
قوله - تبارك وتعالى -: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء كما قال الله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] فهو محمود في غناه.
وقوله - تبارك وتعالى -: وَإِن تَتَوَلَّوْا هنا تتولوا عن ماذا؟
قال: هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ تتولوا عن الإيمان، تتولوا عن الجهاد، تتولوا عن الإنفاق في سبيل الله ، وإعزاز الدين، ونصرته، وتشتغلوا بحظوظ النفوس: يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ هنا لا داعي للاشتغال بتحديد هؤلاء القوم من هم، وإنما أطلق الله - تبارك وتعالى - ذلك، فيستبدل من شاء بدلاً من هؤلاء الذين أعرضوا، وتولوا.
أعرض أهل مكة عن الاستجابة للنبي ﷺ فهيأ الله له الأنصار في المدينة، فأعز الله دينه، ونصر نبيه ﷺ.
وهكذا العرب إذا أعرضوا وتركوا وضيعوا فإن الله يقيض لهذا الدين من ينصره، فقام بذلك بعض الأعاجم، وامتدت ساحة الإسلام، ونصر الله الدين بهؤلاء، فجاهدوا في سبيله، وكسروا أعداءه، وفتحوا الممالك، فهذه سنته في هذا الخلق.