السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظٌۢ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ۝ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ۝ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۝ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ۝ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ  [سورة ق:1-5].

هذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح، وقيل: من الحجرات، وأما ما يقوله العوام: إنه من "عَمَّ" فإنه لا أصل له، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين فيما نعلم، إذا عُلم هذا فإذا عددتَ ثمانيا وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة "ق"، بيانه: ثلاث: البقرة، وآل عمران، والنساء، وخمس: المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، وبراءة، وسبع: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر، والنحل، وتسع: سبحان، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، والحج، والمؤمنون، والنور، والفرقان، وإحدى عشرة: الشعراء، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، و"الم" السجدة، والأحزاب، وسبأ، وفاطر، ويس، وثلاث عشرة: الصافات، و"ص"، والزمر، وغافر، وحم السجدة، و"حم عسق"، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، والقتال، والفتح، والحجرات، ثم بعد ذلك حزب المفصل كما قاله الصحابة ، فتعين أن أوله سورة "ق"، وهو الذي قلنا، ولله الحمد والمنة.

 فقد مضى الكلام عن الحروف المقطعة وأن الأقرب أنها حروف تهجٍّ لا معنى لها في نفسها، وإنما فيها إشارة إلى الإعجاز لهذا القرآن الذي تحدى الله - تبارك وتعالى - به أنه مركب من هذه الحروف التي تركبون منها كلامكم فأتوا بمثله، أما ما يذكر من معانٍ كثيرة - كما تعرفون قد اختُلف في هذه الحروف المقطعة على نحو من أربعين قولاً، لاسيما بعض الأقوال البعيدة جداً كقول من يقول: إن "ق" مثلاً هنا هو جبل محيط بالأرض - فأشياء لا أصل لها، ولا حقيقة لها.

 وأما ما ذكره من أن "ق" هي أول المفصل، وما احتج له من قوله: إذا علم هذا فإذا عددتَ ثمانياً وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة ق بيانه: ثلاث... الخ، فالمقصود بهذا التقسيم الذي كان عليه عامة السلف في جعل القرآن على سبعة أجزاء، أو أقسام، فما كانوا يقسمون للتلاوة، والختم على هذه الأجزاء الثلاثين، أو أكثر أو أقل من هذه التجزئة التي كانت بعد عهد الصحابة ، وإنما كانوا يقسمون بالسور، فختم القرآن في سبعة أيام، أو في سبع ليالٍ، كيف يقسم؟

يقسم بهذه الطريقة، وكان أكثر السلف يختمون في سبع، وكما قال شيخ الإسلام: إن التقسيم بالسور موافق لطريقة السلف، وهو أحكم من طريقة الخلف؛ لأن طريقة المتأخرين على التجزئة التي نقرأ بها لربما ينتهي الجزء في وسط القصة، فضلاً عن السورة، فتنقطع المعاني.

أما السلف فكانت تُقرأ السورة كاملة كما في هذا التقسيم، هذا أوفق وأنفع بلا شك، المهم أنه يحتج لهذا - لكونها أول المفصل - بالتقسيم الذي كان عليه السلف، فكان حزب المفصل هو الأخير، فإذا حُسب بهذه الطريقة كانت سورة "ق" هي أول المفصل، وليست الحجرات.

روى الإمام أحمد أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان رسول الله ﷺ يقرأ في العيد؟ قال: "بقاف، واقتربت"[1]، ورواه مسلم وأهل السنن الأربعة.

 حديث آخر وروى أحمد عن أم هشام بنت حارثة قالت: "لقد كان تَنُّوُرنا وتنور النبي ﷺ واحداً سنتين، أو سنة وبعض سنة، وما أخذت ق وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْمَجِيدِ إلا على لسان رسول الله ﷺ وكان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس"[2]رواه مسلم.

ظاهره أنه كان يقرأ السورة كاملة على المنبر في الخطبة، ولو قيل: إنه كان يكتفي بقراءتها لم يكن ذلك بعيداً، وقولها: إن النبي ﷺ كان يقرؤها كل جمعة يمكن أن يُحمل هذا على الكثرة، وإلا فالنبي ﷺ كانت له خطب كما هو معروف، ونُقل بعضها، وإنما مثل هذا يمكن أن يُحمل على الكثرة أنه كان يخطب بها لما تضمنته هذه السورة من المعاني، والمقاصد، وهكذا السور التي تُقرأ كسورة الكهف يوم الجمعة، والقراءة في صلاة الفجر السجدة، والإنسان، فهذه كلها فيها ما يتصل بالبعث، والنشور، وقدرة الله على إحياء الموتى، وما يتعلق بالآخرة، وما يُذَكِّر بيوم القيامة، كل هذه السور تتحدث عن هذه القضايا، وأما ما يذكره بعضهم من معانٍ بعيدة فهذا لا يُلتفت إليه، يعني بعض الناس يفلسف هذه القضايا بطريقة لا تصلح أبداً مثلاً سورة الكهف في أولها الكلام على قصة أصحاب الكهف، فهذه البداية في الدعوة بالعزلة لجئوا إلى الكهف، وهذه مرحلة التربية، ثم يجعل هذه المراحل إلى أن يأتي ذو القرنين في الأخير فيقول هذه مرحلة القوة، وبناء الدولة، ومن هذا الكلام الذي لا أصل له، فيجعل القضية على ثلاث مراحل، ومن ثَم يقول: يؤخذ من سورة الكهف أن الدعوة تكون على مراحل، وكلام يُنشر، ويجد من يتلقفه، ويتأثر به، وهذه القضايا تتحدث عن الآخرة وليست تتحدث عن عمارة الدنيا، وهذا يجعل ذلك في الدنيا وعمارتها، عكس ما قصده القرآن تماماً، فقصة أصحاب الكهف التي ذكرها الله لبيان قدرته على إحياء الموتى هذه القصة أحد البراهين الدالة على هذا المعنى، إحياء من أماتهم فجعلها آية: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [سورة الكهف:9].

وليس في المرحلة الأولى من التربية الذاتية، وقل مثل ذلك فيما ذكر في ثنايا السورة قصة موسى مع الخضر، وما إلى ذلك.

وروى أبو داود عن ابنة الحارث بن النعمان قالت: ما حفظت ق إلا من فِي رسول الله ﷺ يخطب بها كل جمعة قالت: "وكان تنورنا وتنور رسول الله ﷺ واحداً"[3]، وكذا رواه مسلم والنسائي، والقصد أن رسول الله ﷺ كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد، والجُمع؛ لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث، والنشور، والمعاد، والقيام، والحساب، والجنة، والنار، والثواب، والعقاب، والترغيب، والترهيب - والله أعلم -.

هذا كلام أهل العلم، تنتشر أشياء للأسف خفيفة وقصيرة كتيبات لربما في ثلاث أو أربع صفحات جميلة، ولها غلاف تستهوي الناس، أو تستهوي بعض القراء، وفيها مثل هذه الأمور التي قد لا تكون صحيحة.

وقبل مدة قريبة اطلعت على كتيب عليه سورة بصمة يد كاملة للأسماء الحسنى، وكل اسم له معطًى معين، وله رسالة معينة لنفس الإنسان يتذكرها إلى آخره، وهذه الأسماء أولاً بعضها لا يثبت، والمعاني التي ذكرها قد يقال غيرها أصلاً، وينتشر.

"ق" حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: ص، ون، والم، وحم، وطس ونحو ذلك قاله مجاهد وغيره، وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته.

ولا يقال - كما سبق -: إن حروف التهجي هذه من كونها لا معنى لها أنه يوجد في القرآن شيء لا معنى له؛ لأن الكلام اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، التي هي حروف المعاني، أما حروف المباني التي تركب منها الأسماء، والأفعال، أو حروف المعاني مثلما نقول: زيد فالزاي والياء والدال لا معنى لها في نفسها إطلاقاً، ولا معنى لها في غيرها، ولكن يركب منها الكلام، ومن ثَم حينما يقال: القرآن لا يوجد فيه شيء ليس له معنى، ليس فيه حشو فهذا في الكلام الذي له معنى في الأصل، لا يوجد فيه لفظة ليس فيها معنى، ولا شيء من التراكيب، وأما هذه فحروف تهجٍّ وحروف التهجي في لغة العرب لا معنى لها، وإنما جاءت للإشارة إلى الإعجاز - والله أعلم -، وهذا لا ينافي ما قد علمتم من أن القرآن ليس فيه حشو، وإنما كل ما فيه قد جاء لمعنى.

وقوله تعالى: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، أي الكريم العظيم الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصلت:42].

هذه المعاني التي ذكرها للمجيد قال: الكريم العظيم، وهكذا ما جاء عن بعض السلف كالحسن: رفيع القدر أو ما جاء عن بعضهم: كبير القدر، هذه معانٍ متقاربة، والمجد أوسع من ذلك كله يأتي - إن شاء الله تعالى - في الأسماء الحسنى الكلام على المجيد فهو يتضمن صفة المجد التي هي أوسع الصفات يسمونها في تقسيم الصفات "الصفات الجامعة" يعني: التي يلتئم تحتها معانٍ كثيرة فهي تدل على معنى الكثرة، والسعة في الكمالات، والعطاء.

وجواب القسم هو مضمون الكلام بعد القسم وهو إثبات النبوة، وإثبات المعاد، وتقريره، وتحقيقه، وإن لم يكن القسم يتلقى لفظاً، وهذا كثيرٌ في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ۝ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوآ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ  [سورة ص:1-2]، وهكذا قال هنا: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ۝ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ  أي تعجبوا من إرسال رسولٍ إليهم من البشر، كقوله : أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [سورة يونس:2] أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.

قول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا يعني أن جواب القسم مُقَدَّر يُفهم من المذكور في قوله: وجواب القسم هو مضمون الكلام بعد القسم، فهو يُفهم من قوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، فالله - تبارك وتعالى - يذكر كثيراً في القرآن تعجب الكافرين، ومعارضتهم لبعث نبي من البشر، أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً [سورة الإسراء:94]! فهذه واحدة.

والثانية أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ إلى أن قال: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ فهؤلاء الكفار يتعجبون من بعث نبي من البشر، أو رسول من البشر، وكذلك ينكرون البعث، فيفهم من هذا المذكور جواب القسم على قول الحافظ ابن كثير وجماعة من أهل العلم، وحاصل ما يذكره أهل العلم في مسألة القسم هنا يرجع إلى ثلاثة أقوال هذا واحد منها، وإن اختلفوا في تقديره، يعني أنه مقدر ليس بمذكور، انظر كلام الحافظ - رحمه الله -، يعني أن جواب القسم يكون مقدراً بما يُفهم مما بعده يعني يدل عليه ما بعده، ولهذا قال بعضهم كالأخفش: إن التقدير: لتُبعثنّ يقولون: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا الخ، فهذا بعض ما تضمنه الكلام بعده التي هي إحدى القضايا التي أنكروها، أو تعجبوا منها وهي قضية البعث يكون: لتبعثن، وبعضهم نظر إلى القضية الأولى التي هي: بعث نبي من البشر ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ أنزلنا إليك لتنذر هكذا، أو معنى أوسع من هذا، هذا أخذ الجزء الأول، معنى أوسع من هذا كما يقول الشنقيطي - رحمه الله - بأن التقدير لا لما يقوله الكفار أو ما الأمر كما يقول الكفار، فيقول الكفار: أَئِذَا مِتْنَا الخ يعني هم يتعجبون من هذه القضية، وقبله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ما الأمر كما يقوله الكفار، وقد مضى الكلام على نحو من هذا عند الكلام على ص فما ذُكر هناك يمكن أن يُذكر هنا، فهذا منحى ذهب إليه بعض أهل العلم، والمنحى الآخر هو: أن الجواب مذكور وليس بمقدر، واختلفوا في هذا الجواب أين هو من الآيات؟ لكنهم يتفقون على هذا المعنى أن الجواب مذكور وليس بمقدر، فبعضهم كالكوفيين يقولون الجواب: بَلْ عَجِبُوا، يقولون: هذا الجواب، ونحن عرفنا من قبل أن مذهب الكوفيين سهل، ومن استعصى عليه الإعراب والنحو فعليه بمذهب الكوفيين، وإذا كان يقال: إن النحو بيت من خشب بابه من حديد؛ هذا على مذهب البصريين، وأما على مذهب الكوفيين فالنحو بيت من خشب وبابه من قماش، سهل ولا يحتاج إلى كثير من التقديرات، ولا التكلفات، ولا شك أن مذهب البصريين أدق، ولكنه أصعب، وبعضهم يقول: إن الجواب هو قوله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [سورة ق:18] متأخر جداً، هذا قال به بعضهم كابن كيسان، وهذا بعيد - والله تعالى أعلم -.

 وبعضهم يقول: إن الجواب هو قوله: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ وهذا وإن كان أقرب من الذي قبله لكن الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الجواب مقدر.

 مع أن بعض أهل العلم - وهذا هو المنحى الثالث - يقول: إن الجواب قد لا يكون مذكوراً أصلاً، ولا مقدراً، وهذا مر نظائر له في القرآن أن من أهل العلم من يقول في بعض المواضع: إن الجواب أصلاً لا وجود له لا لفظاً، ولا تقديراً، فحاصل ما يذكرون في الفائدة من القسم أن المقصود التنويه بالمقسم به، وكلام أهل العلم ككلام ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن، في عددٍ من المواضع وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۝ وَطُورِ سِينِينَ ۝ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ۝ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [سورة التين:1-4].

هذا مثلاً جواب القسم، لكن في مواضع يبقى الإشكال كهذا فالجواب: بعضهم يقول: إن الجواب لا وجود له أصلاً، ومن ثم المقصود التنويه وهنا كما يقول ابن القيم: اتحد المقسم به، والمقسم عليه؛ وهو القرآن، فأقسم بالقرآن على ثبوته، وصدقه، وأنه حق من عند الله ، ولهذا حُذف الجواب، ولم يُصرح به لما في القسم من الدلالة على هذا المعنى، أو لأن المقصود هو المقسم به ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ يعني: المقصود التنويه بالقرآن دون التفات إلى جواب، يعني: لا تنتظر جواباً للقسم.

لو تتبعت الأمثلة في الأقسام في القرآن في مثل كتاب التبيان مثلاً لابن القيم ستجد مواضع يذكرها لا جواب للقسم على ترجيحه، واختياره في قول طائفة؛ لأن الجواب غير موجود.

قال الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان: "قوله تعالى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ المقسم عليه في الآية محذوف، والظاهر أنه كالمقسم عليه المحذوف في سورة "ص" وقد أوضحناه في الكلام عليها، وقوله تعالى هنا: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ۝ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قد قدمنا في سورة "ص" أن من المقسم عليه أن النبي ﷺ صادق، وأن رسالته حق، كما دل عليه قوله في ص: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وقد دل على ذلك قوله هنا: بل عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وقد قدمنا في "ص" أنه يدخل في المقسم عليه تكذيب الكفار في إنكارهم البعث ويدل عليه قوله هنا: فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ۝ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا الآية"[4].

ولذلك جاء التقدير عند الشنقيطي عاماً باعتبار نفي ما يقوله الكفار، فالكفار يقولون هذا وهذا.

وقال - رحمه الله -: "والحاصل أن المقسم عليه في "ص" بقوله: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [سورة ص:1]، وفي "ق" بقوله: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ محذوف، وهو تكذيب الكفار في إنكارهم رسالة النبي ﷺ وإنكارهم البعث، وإنكارهم كون المعبود واحداً، وقد بينا الآيات الدالة على ذلك في سورة "ص" وذكرنا هناك أن كون المقسم عليه في سورة "ق" هذه المحذوف يدخل في إنكارهم لرسالة النبي ﷺ بدليل قوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وتكذيبهم في إنكارهم للبعث بدليل قوله: فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، وبيَّنا وجه إيضاح ذلك بالآيات المذكورة هناك وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا"[5].

ثم قال مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد، واستبعاد وقوعه أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ أي يقولون: أئذا متنا، وبلينا، وتقطعت الأوصال منا، وصرنا تراباً، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية، والتركيب؟ ذلك رجع بعيد؛ أي بعيد الوقوع، والمعني أنهم يعتقدون استحالته، وعدم إمكانه.

قوله - تبارك وتعالى -: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ هنا الظاهر أن التعجب من ماذا؟ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، لكن أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ إلى أن قال: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ.

هنا الآية الأخيرة: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ما هذا الحق الذي جاءهم؟ هل هو الوحدانية، أو من النبوة بعث الله نبياً بشراً؟ أو من قضية البعث؟ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۝ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ۝ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ.

قال الله تعالى رداً عليهم: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ أي ما تأكل من أجسادهم في البِلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت، وإلى أين صارت وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ أي حافظ لذلك، فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة قال العوفي عن ابن عباس - ا - في قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ أي ما تأكل من لحومهم، وأبشارهم، وعظامهم، وأشعارهم. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك وغيرهم. ثم بين - تبارك وتعالى - سبب كفرهم، وعنادهم، واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل، والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ۝ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[سورة الذاريات:8-9].

قوله - تبارك وتعالى -: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ أي ما تأكل من أجسادهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت، وإلى أين صارت، يعني: إذا ماتوا وتحللت أجسادهم فإن الله يعلم ما تفرق منها، هذا الذي عليه عامة المفسرين، هذا قول الجمهور من السلف فمن بعدهم، وبعضهم كالسدي يقول: إن قوله: مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ يعني: بالموت يعني: من يصيرون إلى الموت، والفناء، بمعنى أن الأحياء ينقصون، فيكون مآلهم إلى القبور، إلى الدفن، إلى التراب، وليس المقصود على هذا المعنى ما يتحلل من الأجساد وإنما ما تنقص الأرض من الأحياء بأن يموت من يموت منهم، فهم يموتون شيئاً بعد شيء، حتى يموت الجميع، فهذا المعنى وإن كان له وجه إلا أن المعنى الأول أظهر، وأدل على القدرة، فهذه الأجزاء التي تتحلل إلى تراب الله - تبارك وتعالى - يعلم إلى أين صارت، وما مآل ذلك كله، ثم الله - تبارك وتعالى - يعيد خلقه من جديد.

وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ الراجح أن الحفيظ هنا فعيل بمعنى فاعل وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ يعني قيل هو اللوح المحفوظ، المراد به أن الله كتب فيه كل شيء، وكون هذا الكتاب حفيظاً بمعنى أنه لا يذهب منه شيء، ولا يفوته شيء، ولا ينمحي منه شيء.

وهذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن المراد بقوله: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ، هو اختيار أيضاً كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، قال - رحمه الله - في تفسير سورة ق: "القول في تأويل قوله تعالى: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۝ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ، يقول القائل: لم يجر للبعث ذكر فيخبر عن هؤلاء القوم بكفرهم.."[6].

هذا سؤال ذكره ابن جرير، ثم أجاب عنه، انظر في الآيات بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ التعجب الآن أن جاءهم منذر من البشر، ثم مباشرةً بعده أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ الآن التعجب من بعث بشر جعله الله رسولاً، فما علاقة البعث؟ بلا مقدمات أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ؟ يعني التعجب هناك لم يكن من البعث، ما قال مثلاً: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ۝ بَلْ عَجِبُوا أن يبعثوا مَثلاً بَعد الموت، عجبوا من البعث وقالوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ لا، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ شيء عجيب، يعني: أن بعث الله بشراً رسولاً أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ بلا مقدمات ذكر هذه بعد هذه أَئِذَا مِتْنَا فصار التعجب الآن مِن قضية ثانية هي البعث ولم يُذكر، فهنا البعث لم يذكر، إنما ذكر التعجب من بعث البشر رسولاً، وجاء التعجب في الآية هذه: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ووجه ذلك يجيب عليه ابن جرير - رحمه الله - حيث قال:

"فما وجه الخبر عنهم بإنكارهم ما لم يدعو إليه، وجوابهم عما لم يسألوا عنه؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك فنذكر ما قالوا في ذلك، ثم نتبعه البيان - إن شاء الله تعالى - فقال في ذلك بعض نحويي البصرة: قال: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ لم يذكر أنه راجع، وذلك - والله أعلم -؛ لأنه كان على جواب، كأنه قيل لهم: إنكم ترجعون فقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ[7].

على كلام البصريين أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فقال لهم: إنكم تبعثون فقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ فتعجبوا من قضيتين مجيء رسول من البشر، وهذا الرسول قال لهم: تبعثون فقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.

وقال - رحمه الله -: "وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ كلام لم يظهر قبله ما يكون هذا جواباً له، ولكن معناه مضمر، إنما كان - والله أعلم - ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لتُبعثنّ بعد الموت، فقالوا: أئذا كنا تراباً بُعثنا"[8].

عند الكوفيين بناء على جواب القسم المقدر ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ كما سبق لتبعثن، فقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ إن هذا جواب القسم المقدر لتبعثن، فقالوا: فتعجبوا فقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.

وقال - رحمه الله -: "ثم قالوا  ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ جحدوه أصلاً، قوله: بَعِيدٌ كما تقول للرجل يخطئ في المسألة: لقد ذهبت مذهباً بعيداً من الصواب، أي أخطأت.

والصواب من قوله في ذلك عندنا أن في هذا الكلام متروكاً استُغنى بدلالة ما ذُكر عليه من ذكره، وذلك أن الله دل بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمداً ﷺ بقوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ على وعيده إياهم على تكذيب محمد ﷺ فكأنه قال لهم إذ قالوا منكرين رسالة الله رسولَه محمداً ﷺ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ: ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمداً ﷺ، وإنكاركم نبوته، فقالوا مجيبين رسول الله ﷺ: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا نعلم ذلك، ونرى ما تعدنا على تكذيبك ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ أي أن ذلك غير كائن، ولسنا راجعين أحياءً بعد مماتنا، فاستغني بدلالة قوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم"[9].

إذاً ففيه ثلاثة أقوال: قول البصريين: إنه مقدر، يعني لما جاءهم رسول من البشر تعجبوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ هذا الرسول قال لهم: ستبعثون، فتعجبوا، وقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ، على قول الكوفيين: إن ذلك عُرف من جواب القسم ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لتبعثن، فتعجبوا وقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ، وعلى قول ابن جرير أيضاً إنه مقدر، يُفهم من مضمون ما ذكر: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ فتعجبوا، واستبعدوا مجيء رسول من البشر، فكأنهم تُوُعِّدُوا على هذا التكذيب بهذا الرسول بالعذاب في الآخرة، فتعجبوا ثانية من هذا أَئِذَا مِتْنَا يعني سنبعث، هل سيكون بعث أصلاً حتى نُعذب؟، وكأنه يُفهم - والله تعالى أعلم - من ذلك كله أن هؤلاء الكفار - والقرآن يختصر ما يُفهم إن كان في المذكور ما يدل عليه كما هي عادة العرب، وهذا من بلاغة الكلام - لما جاءهم رسول بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ وكان في مضامين هذه الرسالة: البعث كما هو معلوم، وهو إحدى القضايا الكبرى التي جاء القرآن لتقريرها لاسيما في السور المكية، فالوحدانية، والوحي والرسالة، والبعث؛ هذه القضايا الثلاث في السور المكية، وهذا كثير جداً، فكان في مضامين هذه الرسالة تقرير البعث، فتعجبوا أيضاً من هذا فذكر القرآن هاتين القضيتين أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ولهذا في قوله - تبارك وتعالى -: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ فالحق الذي كذبوا به  بعضهم يقول: القرآن، كما يقول ابن جرير: الحق الذي كذبوا به هو القرآن، وبعضهم يقول: الإسلام، وبعضهم يقول: بمحمد ﷺ، وبعضهم يقول: بالنبوة أصلاً، كل هذا متقارب، هم كذبوا بهذه القضايا جميعاً بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ كذبوا بالإسلام، بالقرآن، بنبوة محمد ﷺ وما تضمنته دعوته من تقرير الوحدانية، وكذلك البعث كَذَّبُوا بِالْحَقِّ الذي جاء به محمد ﷺ، والحق الذي جاء به هو الإسلام، والقرآن، والنبوة، كل هذه المعاني صحيحة، وعبارة ابن كثير - رحمه الله - قال في المريج: قال: المختلف المضطرب، الملتبس، المنكر ... الخ، ابن كثير - رحمه الله - هنا جمع بين الأقوال التي يذكرها السلف، يذكرون هذه المعاني: مريج مضطرب، بعضهم يقول: مختلف، بعضهم يقول: فاسد، يقال: هذا شيء مريج أو مارج، مرجت البيضة: يعني فسدت، مروج: أي أزهار مختلطة، نباتات مختلطة، فهذه اللفظة فيها الاختلاط والاضطراب، ناس في أمر مريج: يعني في حال من الاضطراب، فهذه كلها معانٍ صحيحة ذكرها السلف وهذه من مزايا هذا الكتاب أنه يجمع بين الأقوال، وهذا لا يُعرف إلا بالرجوع إلى كلام السلف، والمقارنة بين عبارته الدقيقة وبين ما قاله السلف، ولا يتبين للقارئ لأول وهلة.

  1. رواه مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، برقم (891)، والنسائي، كتاب صلاة العيدين، باب القراءة في العيدين بقاف واقتربت، برقم (1567)، وأحمد في المسند، برقم (21946)، وقال محققوه: حديث صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1047).
  2. رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (873)، وأحمد في المسند، برقم (27456).
  3. رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (873)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس، برقم (1102).
  4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (7/ 422).
  5. المصدر السابق.
  6. جامع البيان، للإمام الطبري ت شاكر (22/327).
  7. المصدر السابق.
  8. المصدر السابق.
  9. جامع البيان، للإمام الطبري ت شاكر (22/327-328).