الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال الله تعالى:يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ[سورة الذاريات:13].

قال ابن عباس ، ومجاهد، والحسن، وغير واحد:يُفْتَنُونَ: يعذبون.

قال مجاهد: كما يفتن الذهب على النار.

وقال جماعة آخرون كمجاهد -أيضا- وعكرمة، وإبراهيم النَّخَعِي، وزيد بن أسلم، وسفيان الثوري:يُفْتَنُونَ: يحرقون.

ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ[سورة الذاريات:14]: قال مجاهد: حريقكم.

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أصل الفَتْن هو الاختبار، أصله الاختبار وهذا الاختبار يتميز به الشيء ويعرف، ولهذا قيل لوضع المعادن في النار: إنه فتْن، تقول: فتنت الذهب، يعني أنك وضعته في النار لتميز خالصه من شائبه، يتميز، فهذا هو الفتْن، ولهذا فسره من فسره كما نقل عن جماعة هنا كسفيان وعكرمة وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم -رحمهم الله-،يُفْتَنُونَ قالوا: يحرقون، ؛ لأن هذا أصل معنى الفتْن، هو عرضه على النار ليتبين خالصه، هذا أصله، ومن قال: إنه الاختبار يرجع إلى هذا المعنى، ما يخالفه، يرجع إليه؛ لأنه وضع في النار ليتميز، ليخرج شوبه، ويبقى الخالص من هذا الذهب مثلاً،  يُفْتَنُونَ أي: يحرقون، فالفتْن الحرق، وهو الاختبار، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ[سورة البروج:10]، ومعنى فتنوهم أي أحرقوهم في النار في قصة الأخدود، سماه فتناً، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ من قال: أي يحرقون رجع إلى أصل معنى الفتْن، وهو عرض الشيء على النار، أي يحرقون بالنار، وهذا معنى صحيح، ومن أهل العلم من لاحظ التعبير هنا بـ "على"، عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ  فجعلوها بمعنى "في" وحروف الجر تتناوب "على" تأتي بمعنى "في"، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه:71]، يدخلهم على الجذع، قالوا: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يعني: على جذوع النخل، يربطه على الجذع، والجذع أشد إيلاماً من غيره، جذع النخل أشد من ساق الشجرة لو صلبهم عليها أو على الجدار إيلاماً، وإن كان من أهل العلم من يلاحظ أصل الحرف، ابن القيم -رحمه الله- يقول: مهما استعمل الحرف في معنى فإنه يبقى فيه من رائحته، ولذلك قال من قال من أهل العلم: إن قوله تعالى عن فرعون حينما قال للسحرة:وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يعني: على جذوع النخل، قالوا: لا، ما يكفي هذا، هناك شيء زيادة بعدُ، قالوا: لشدة الربط، لشدة شدهم إلى الجذع كأنه يدخلهم فيه ليؤلمهم غير ألم الصلب ألم الجذع الذي يشد إليه، والإنسان إذا شُد شداً قوياً فإنه يتمنى الموت، يتمناه ويدعو به لشدة ما يجد من الألم، فإذا أردنا أن نجري هذا على هذا عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، عليها يفتنون، هل يقال: في النار يفتنون وانتهينا؟ من لاحظوا هذه القضية التي ذكرت آنفاً لفظة "على" قالوا: المعنى أوسع من مجرد أنهم يحرقون، عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، فيبدأ ذلك بتكذيبهم بالنار أصلاً، تكذيبهم بالبعث، وقبل ذلك ما يجري لهم من ألوان الفتن التي يزاولون بها ألوان الأعمال الفاسدة، ويعتقدون العقائد الباطلة، تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء [1]، فهم يفتنون بما يجري على أيديهم من المعاصي التي هي سبب لدخول النار والعقائد الفاسدة، ثم تكذيبهم أيضاً بالنار وبالبعث واليوم الآخر، ثم عرضهم على النار ورؤيتهم لها، ثم بعد ذلك دخولهم وإحراقهم فيها، ولهذا بعض أهل العلم قال: إن المعنى أوسع من مجرد أنهم يحرقون، وممن ذهب إلى هذا -إلى توسعة المعنى- كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله-، والحافظ ابن القيم، فتفسيره   بـ "يحرقون" تفسير صحيح، لكن من لاحظ هذا الملحظ ذكر ما هو أوسع من ذلك، وهذا لا شك أنه أدق في التفسير، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ، قال مجاهد: حريقكم، وقال غيره: عذابكم، حريقكم وعذابكم واحد، المعنى واحد،  ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أي: عذابكم، وعلى القول السابق أن الفتْن أوسع من ذلك،-كفرهم ومعاصيهم- ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ يعني: نتيجة كفركم، نتيجة عصيانكم، نتيجة تمردكم على الله ، فيحرقون بالنار.

 هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ  أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا وتحقيرًا وتصغيرًا، والله أعلم.
  1. [1] - رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا وأنه يأرز بين المسجدين، برقم (144).