الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعنون قوم لوط.

لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ ۝ مُسَوَّمَةًأي: معلمة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ أي: مكتتبة عنده بأسمائهم، كل حجر عليه اسم صاحبه، فقال في سورة العنكبوت:قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ[سورة العنكبوت:32].

لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ ۝ مُسَوَّمَةً، معلمة،حِجَارَةً مِّن طِينٍ هذه تفسر الآية الأخرى وهي وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِم حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ [سورة الحجر:74]، فالسجيل هو الطين، حِجَارَةً مِّن طِينٍ، مُسَوَّمَةًمعلمة بعلامة، هذه العلامة قيل: إنها كتابة الأسماء، كل حجر عليه اسم صاحبه، وبعضهم يقول: عليها علامات تتميز بها، والله تعالى أعلم، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ، وذكر هنا الصفة التي أوجبت لهم هذا الهلاك، ولهذا قال الله:وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [سورة هود:83].

وهذا الخوف الذي وقع من إبراهيم ﷺ وما أجابه به الملائكة يدل على أن الأنبياء مهما علا قدرهم ومنزلتهم لا يعلمون الغيب، فذبح عجله وأنضجه وقربه إليهم، وهو يظن أنهم من البشر، فكيف بمن دون الأنبياء ممن يعتقد فيهم بعض الجهلة أنهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما بين العرش إلى الأرض السفلى، وما أشبه ذلك مما يضيفونه إليهم، ويطلبون منهم قضاء الحاجات، -والله المستعان-، ويعبدونهم من دون الله؟!.

وقال تعالى هاهنا:فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَوهم لوط وأهل بيته إلا امرأته.

 فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .

الإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق دخل فيه الإسلام، وإذا ذكرا معاً فالإسلام باعتبار الظاهر والإيمان بما في القلب، النبي ﷺ قال في الإيمان:أن تؤمن بالله وملائكته..  فسره بمتعلقه، وفي الإسلام قال:تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة[1] إلى آخره،قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ[سورة الحجرات:14]، فالإيمان مرتبة أعلى من الإسلام،فَأَخْرَجْنَا الإنجاء وقع للمؤمنين، ولهذا قال الله فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ [سورة الحجر:65] واستثنى امرأته، فالإنجاء للمؤمنين، والذي وجدوه:فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، والإسلام هو إسلام الظاهر، فامرأة لوط كانت في الظاهر معه، ولكنها كانت تدل على أضيافه، فهي ليست من أهل الإنجاء، الإنجاء للمؤمنين، ووجدوا فيها بيتاً من المسلمين، إسلام الظاهر، وهؤلاء ليسوا ممن ينطبق عليهم وصف النجاة، الإنجاء للمؤمنين، ووجدوا فيها بيتاً من المسلمين باعتبار المجموع، بما فيهم امرأة لوط، فهي في الظاهر معه وفي الباطن معهم، لما كانت الآية الأولى:فَأَخْرَجْنَافي الإنجاء فإن ذلك يختص بالمؤمنين الصادقين، وأما من وجدوافَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إسلام الظاهر، المنافقون يعتبرون من المسلمين، لكن في الباطن ليسوا كذلك،فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فمعهم امرأة لوط، فهم بهذا المجموع يحكم عليهم بالإسلام لا بالإيمان، والله أعلم.

 

  1. [1] - رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34]، برقم (4777)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله ، برقم (8).