إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[سورة القمر:47-55].
يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق، وسُعُر مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ عرفنا أن الضلال هو الذهاب عن الحق،فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ هل المقصود هنا بـ "السعر" يعني: السعير الذي هو النار، الإحراق هو النار وذلك يوم القيامة ثم قال بعده:يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ فـ "سعر" هل هو في الدنيا أو في الآخرة؟ كلام الحافظ ابن كثير هنا -رحمه الله- يقتضي أنه في الدنيا وذلك بسبب الشكوك والاضطرابات وآثار هذه العقائد الفاسدة في قلوبهم، وهذا الذي ذهب إليه كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير -رحمه الله-، أو فسر "السعر" بالاحتراق لكن ليس الاحتراق المقصود به الاحتراق بالنار وإنما في الدنيا، احتراق وشدة وعناء بسبب فساد قلوبهم وعقائدهم وأعمالهم، فالعقائد تؤثر تأثيراً بليغاً في نفوس أصحابها، فالعقائد الصحيحة ينتج عنها انشراح الصدر، والأعمال الصحيحة ينفسح معها الصدر وتشرق النفس، ويستنير القلب، ويجد الإنسان برد اليقين، والعقائد الفاسدة والأعمال الفاسدة تؤثر في نفوس أصحابها، ضيقاً، وحرجاً، وألماً وحسرة، وعناءً، وشقاءً فيظلم القلب وينعصر، ولا يجد صاحبه لذة وراحة وانشراحاً، وسروراً ونعيماً، فكلما كان الإنسان أتبع للحق وأكثر عملاً به فإنه يحصل له من اللذة والسرور والانشراح بإقباله على الله وتوحيده وعبادته مالا يقادر قدرة، وينقص بحسب ذلك، ولهذا تجد صاحب المعصية عنده من الحرج والضيق، والظلمة بحسب ما عنده من الضلال والانحراف، ولهذا قال الله :أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ[سورة الزمر:22]، وقال:فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء[سورة الأنعام: 125]؛ لشدة ضيقه، فهذا "السعر" في الدنيا فهو يقول: "وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق" يعني: يكون له من الألم والضيق بحسب الانحراف الذي عنده، ولذلك لا تجد الكافرين وأهل الفساد والمحادة لله لا تجد عندهم اللذة التي يجدها المؤمن، والسعادة والأنس بالله والسرور بمعرفته، وانشراح الصدر بعبادته، والتقرب إليه، ولا يجدون شيئاً من برد اليقين، وإنما تجد نفوسهم ضيقة، ولهذا يتهافتون في أودية الردى فالأمراض النفسية تكثر وتعج في نفوسهم، التوتر والقلق والاكتئاب؛ لذلك تجد الانتحار عندهم مع أنهم لا يرجون ما عند الله ، هذا كله بسبب فساد عقائدهم، وفساد أعمالهم، فعلى قدر فساد الاعتقاد أو العمل على قدر ما يحصل من ضيق الصدر، فالسعر هذا في الدنيا قبل الآخرة، كما أن اللذة التي تحصل للمؤمن في الدنيا تحصل قبل الآخرة، ولهذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، وإذا أراد الإنسان أن يعرف هذا ينظر إلى حاله وما في قلبه من اللذة والسرور والانشراح بذكر الله ومعرفته وعبادته، فينظر في حاله، فالناس يتفاوتون في هذا غاية التفاوت.