الثلاثاء 24 / صفر / 1447 - 19 / أغسطس 2025
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا۟ عَبْدَنَا وَقَالُوا۟ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ۝ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ۝ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ۝ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ۝ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ۝ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ۝ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ۝ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ۝ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [سورة القمر:9-17].

يقول تعالى:كَذَّبَتْ قبل قومك يا محمد قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا أي: صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون،وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قال مجاهد:وَازْدُجِرَ أي: استطير جنونا، وقيل:وَازْدُجِرَ أي: انتهروه وزجروه وأوعدوه:لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ[سورة الشعراء:116]، قاله ابن زيد، وهذا متوجه حسن.

فقوله -تبارك وتعالى- عن قول هؤلاء المكذبين لنوح ﷺ:كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- القولين: فالقول الأول: قول مجاهد:وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ أي: استطير جنوناً.

القول الثاني الذي ذكره هنا وَازْدُجِرَ "أي: انتهروه وزجروه" فيكون هذا من كلام الله ، ومن نظائر هذا قوله -تبارك وتعالى- في سوره يوسف:ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ[سورة يوسف:52] فالكلام الذي قبله من كلام امرأة العزيز، فيحتمل أن يكون هذا من بقيه كلامها، تقول: "ذلك أني لم أخنه"، لم أخن يوسف، أو لم تخن زوجها، ويحتمل أن يكون هذا من كلام يوسف ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ من كلام يوسف ﷺ، والأول من كلام امرأة العزيز.

وفي سوره الأنعام الله ذكر المناظرة التي جرت بين إبراهيم ﷺ وبين قومه فقال لهم إبراهيم ﷺ: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ... [سورة الأنعام:81]، ثم بعد ذلك قال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ[سورة الأنعام:82].

فهل هذا من بقيه كلام إبراهيم ﷺ؟ أو من كلام الله حكم بين الفريقين؟ وقوله:إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ[سورة النمل:34]، هل هو بقيه كلام ملكه سبأ؟ أو هذا من كلام الله يُقر ما قالت؟ فهنا قالوا:مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ يحتمل أن يكون وَازْدُجِرَ: من كلامهم، ويحتمل أنهم زجروه أي انتهروه، يعني: كما قال الله :قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ[سورة الشعراء:116].