الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يعني: مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء.

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ هذا القول الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- من أشهر الأقوال، ومن أحسنها، ومن أوضحها وأسهلها، ومعلوم أن الشمس تشرق في الشتاء من غير الموضع الذي تشرق فيه في الصيف، يعني هي في الصيف والشتاء تخرج من جهة المشرق، وتغرب من جهة المغرب، ولكن لها انتقال ولذلك تلاحظ أن الظل يتغير في الشتاء والصيف، ولو فرضنا أن الشمس في الشتاء تشرق من هنا إلى ناحية اليمين قليلاً مثلاً في المشرق، كل يوم تتغير درجة حتى تصل إلى منتهى الميل في شدة الصيف، تصل إلى منتهاه، ثم بعد ذلك تبدأ ترجع وهكذا ميلانها إذا كانت تأتي، لا تأتي عمودية، وإنما تميل في الشتاء ميلاناً، وتميل في أقصى درجة لها في الصيف، فكله من المشرق إلى المغرب، لكن من هنا من أبعد درجة في وسط الشتاء، ومن هنا في وسط الصيف من أبعد درجة من الناحية الثانية، وفي كل يوم درجة حتى تصل إلى هذا ثم تبدأ ترجع، فأقصى ذلك من اليمين إلى اليسار في الشرق، هذا مشرق وهذا مشرق،رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرقي الشمس في الشتاء والصيف،وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ وإذا ذكر المشرق بالإفراد رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ[سورة المزمل:9] فالمقصود أن الشمس تطلع من المشرق وتغرب من الجهة المقابلة، وإذا ذكرت المشارق والمغارب فهو باعتبار هذه الدرجات التي تتحول فيها الشمس الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ[سورة المعارج:40] هذا أوضح ما يفسر به، ومن أهل العلم من يقول: المشارق والمغارب مشارق النجوم والكواكب، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- فسر المشرقين والمغربين بغير هذا فيقول: الشمس تختلف في درجة ارتفاعها شتاءً وصيفاً فهي تصل إلى أعلى درجة في صعودها وارتفاعها شتاءً فتقل الحرارة في الأرض، والدرجة التي أدنى منها تزداد الحرارة، ويقول: يحصل بهذا فصل الشتاء وفصل الخريف، فهو يرى أن حركتها في صعودها وهبوطها من حيث درجة الارتفاع أن هذا هو المراد بالمشرقين والمغربين، فلها مشرق صعود تصل فيه إلى أعلى درجة في الارتفاع، ولها مشرق آخر دونه فيقول: هذا هو المراد بالمشرقين والمغربين، والأول -والله أعلم- أوضح من هذا، وهو الذي عليه عامة أهل العلم.

وقال في الآيةالأخرى:فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ[سورة المعارج:40]، وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم، وبروزها منه إلى الناس.

لأنها تطلع وتغرب كل يوم باعتبارها تنتقل، كل يوم من أيام السنة لها مشرق غير المشرق، ولذلك تجد الفرق يظهر تدريجياً شيئاً يسيراً ثم بعد ذلك يزداد حتى يصل إلى أعلى درجة.

وقال في الآية الأخرى:رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا[سورة المزمل:9]، وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب، ولمّا كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب...

الحافظ ابن القيم -رحمه الله- تكلم عن قضية وجه التثنية والإفراد والجمع في كل موضع من المواضع، يعني سبب ذكر المشرقين في سورة الرحمن، وفي الموضع الآخر ذكر الإفراد وفي الموضع الآخر ذكر الجمع، وبيّن المناسبة، فقال: إن الله ذكر الشمس والقمر، وذكر النجم والشجر باعتبار أن النجم هوالشجر الذي لا ساق له، وذكر السماء ويقابلها الأرض، وذكر الميزان الذي هو العدل ويقابله الظلم، وقال:وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ[سورة الرحمن:10]، تقابل السماء، وذكر الفاكهة والحب، وذكر خلق الإنسان وخلق الجن، ذكر كل شيء والصنف الآخر الذي يقابله، ثم ذكر المشرقين والمغربين، فيقول: المناسب هنا في هذا السورة أن يذكر على سبيل التثنية، يعني لم يقل:رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، ولم يقل: (رب المشارق ورب المغارب فبأي آلاء ربكما تكذبان)، ولم يقل: (رب المشرق ورب المغرب فبأي آلاء ربكما تكذبان)، وإنما قال:رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؛ للمناسبة، فالمناسب جداً في هذا الموطن أن يذكر التثنية؛ لأن ما ذكر قبله كذلك.

ولمّا كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.

هنا الحافظ ابن كثير في عدد من المواضع يذكر وجه المناسبة في ذكر هذه الآية فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، فيقرر ضمناً أنها ليست تكراراً محضاً و يبينها في بعض المواضع، وهكذا جماعة من المحققين كابن جرير -رحمه الله- على هذا، يعني هنا يقول مثلاً بعد ذكر المشرقين والمغربين ما مناسبة ذكر فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟ يقول: لمّا كانت في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح الخلق من الجن والإنس باعتبار الشتاء والصيف قال:فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .