الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[سورة الرحمن:31-36].

وقال ابن جريج:سَنَفْرُغُ لَكُمْ أي: سنقضي لكم.

وقال البخاري: سنحاسبكم، لا يشغله شيء عن شيء، وهو معروف في كلام العرب، يقال: "لأتفرغن لك" وما به شغل، يقول: "لآخذنك على غِرَّتك".

قوله:سَنَفْرُغُ لَكُمْ وفى قراءة حمزة والكسائي بالياء المفتوحة وضم الراء "سيَفرُغ"، والمتبادر إلى الأذهان أن الفراغ يكون بعد شغل والله لا يشغله شيء عن شيء، ولذلك احتاج العلماء -رحمهم الله- إلى بيان وجه هذه العبارة هنا سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ، الفراغ في كلام العرب يأتي بمعنيين:

يأتي بمعنى الفراغ من شغل، تقول مثلا: "سأتفرغ لهذا العمل في الأجازة".

ويأتي بمعنى القصد تقول: "سأفرغ له" أي سأقصد سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ أي سنقصد محاسبتكم، ولهذا فسره كثير من أهل اللغة والمعاني -معاني القرآن- هنا بالقصد، أي نقصد لحسابكم، نحاسبكم سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ، وهذه الكلمة قد تكون مضمنة أيضاً معنى التهديد، تقول لغيرك: "سأفرغ لك" ولا تعنى أنك مشغول ولكن سأقصد إلى محاسبتك، وهذا المعنى -أي تفسير هذه الآية بالقصد- هو الذي اختاره ابن القيم  -رحمه الله- وجمع من المحققين.

وقوله:أَيُّهَا الثَّقَلانِ الثقلان: الإنس والجن، كما جاء في الصحيح:يسمعها كل شيء إلا الثقلين[1]، وفي رواية:إلا الجن والإنس[2]، وفي حديث الصُّور الثقلان الإنس والجن.

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ قال: الإنس والجن، وسموا بالثقلين؛ لأن الذنوب تثقلهم، هذا وجه ذكر في سبب التسمية، ومن أهل العلم من يقول: سموا بذلك؛ لأنهم يمثلون ثقلاً على الأرض أحياء وأمواتاً، والله يقول:وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا[سورة الزلزلة:2]، ومن أهل العلم من قال: لعظم شأنهم بالنسبة لغيرهم من المخلوقات، فلا تمثل شيئا بالنسبة إليهم الدوابُّ والبهائمُ والنباتاتُ، وإنما هم أهل الامتحان والاختبار والعمل، وبهم تكون عمارة الأرض، بالإنس والجن تبع، وهم محل الجزاء والحساب، وهم الذين تصدر منهم الذنوب والمعاصي، وفيهم الشهوات، والله أعلم.

ووجه ذكر فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ بعد قوله:سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ: أن المحسن يجازى بإحسانه والمسيء بإساءته، ومن أهل العلم من يقول: إن هذا من آيات الوعيد، وهذا يكون سبباً لانزجار الإنسان عن الاسترسال بالذنوب والمعاصي ويرعوي ويتوب، فهذه نعمة من الله أنْ خوّف عباده وأعلمهم بما سيكون لهم وما سيلاقون وما ينتظرهم من الحساب والجزاء فقال:فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.

 

  1. رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، برقم (1273).
  2. رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (1054)، وابن حبان في صحيحه برقم (2772)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (1359).