الجمعة 23 / ذو الحجة / 1446 - 20 / يونيو 2025
مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشٍۭ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[سورة الرحمن:54-61].

يقول تعالى:مُتَّكِئِينَيعني: أهل الجنة، والمراد بالاتكاء هاهنا: الاضطجاع، ويقال: الجلوس على صفة التربّع.

الاتكاء هو الاعتماد فالإنسان حينما يكون مستريحاً في جلوسه يتكئ أو إذا أراد أن يستريح في جلوسه اتكأ فهنا يذكر نعيمهم، ويصور حالهم في جلوسهم، والاتكاء هو الاعتماد مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ هنا الحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر الاضطجاع هنا فسره بالاضطجاع باعتبار أنه ما ذكر شيئاً يُرتفَق به ويتكَأ عليه، لم يقل: على وسائد مثلاً، وإنما قال: على فرش فإذا كان الإنسان على الفراش مباشرة يعتمد فمعنى ذلك أنه مضطجع، من هذا الباب فسره بالاضطجاع، والله أعلم.

عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وهو: ما غلظ من الديباج، قاله عكرمة، والضحاك وقتادة.

الديباج وهو الإستبرق: الحرير الغليظ، يعني يصور الله -تبارك وتعالى- لنا نعيم أهل الجنة فالفرش بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ يعني العادة عندنا أن الجهة الداخلية أو السفلية للفراش تكون من أردأ أنواع القماش، ولو جئت لأفخم أريكة أو كنبة أو فراش أو نحو ذلك لوجدت أن الأسفل أرذل نوع يوجد عندهم في القماش يضعونه فيه لأنه لا يُرى مستور عن الأعين لاتمسه الأجساد فما الحاجة أن يوضع فيه شيء جيد؟، فهنا ما ذكر الله -تبارك وتعالى- الظواهر، الظواهر هذه لا تخطر في البال، لكن البطائن فقط البطانة من إستبرق، من الحرير الغليظ فما بال الظواهر؟!، هكذا حينما ذكر الله الجنة، وذكر النبي ﷺ أن ترابها المسك، إذا كان هذا التراب هو المسك فغير التراب أشياء لا يمكن أن يتخيلها الإنسان، فعن أنس بن مالك ، عن النبي ﷺ قال:لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولَقَاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد -يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل النار لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها[1]، أشياء لا تخطر على البال، ركعتان في جوف الليل أو صيام يوم في سبيل الله أو كف النفس عن الأهواء والشهوات، والغفلة غلّابة.

وقال أبو عِمْران الجَوْني: هو الديباج المُغَرّي بالذهب، فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة، وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى.

قال أبو إسحاق، عن هُبَيْرة بن يَرِيم، عن عبد الله بن مسعود قال: هذه البطائن فكيف لو رأيتم الظواهر؟

وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ أي: ثمرها قريب إليهم، متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا، كما قال:قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ[سورة الحاقة:23]، وقال:وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا[سورة الإنسان:14] أي: لا تُمنع ممن تناولها، بل تنحط إليه من أغصانها،  فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .

  1. رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحور العين، وصفتهن يحار فيها الطرف، شديدة سواد العين شديدة بياض العين، برقم (2643).