الإثنين 16 / صفر / 1447 - 11 / أغسطس 2025
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنٌّ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله:لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ[سورة الرحمن:74]: قد تقدم مثله سواء، إلا أنه زاد في وصف الأوائل بقوله:كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [سورة الرحمن:58-59].

من وجوه المفاضلة التي ذكروها بين الصنف الأول والصنف الثاني في نعيمهم وجناتهم: هناك قال:فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، وهنا قال:حُورٌ مَقْصُورَاتٌ قالوا: قاصرات الطرف بإرادتهن أكمل من المقصورات في الخيام، وهذا على أحد المعاني في تفسير مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ .

ولو أراد الإنسان أن يناقش هذا الكلام الذي ذكره بعض أهل العلم من أن الأول أكمل من الثاني باعتبار أنها قصرت طرفها، والثانية مقصورة في الخيام لا تخرج، يمكن أن يقال: إن هذا أيضاً من الكمالات أصلاً فالمرأة تكمل وتنبل إذا كانت في خدرها لا تخرج، وكلما كانت أكثر بقاءً واستقراراً فهي أكمل من الخرّاجة الولّاجة، وهذا معروف، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في كتاب "الرحلة إلى حج بيت الله الحرام" سئل -رحمه الله- عن النساء القصيرات أو القِصَر أو نحو ذلك، كان السائل يظن أن المقصود بها القصيرة القامة!! فبين له أن المراد التي لا تخرج، وذكر من أقوال العرب في مدح النساء اللاتي لا يخرجن ذكر طائفة من الأشعار، وهذا لا شك فيه، لا شك أن المرأة التي لا تراها الشمس أكمل وأنبل وأشرف من الخرّاجة الولاجة، لاسيما إذا كانت أجيرة بمعنى موظفة تشتغل وتأخذ أجراً على هذا، ففرق بين أن تتزوج امرأة -تخطب امرأة- لا تراها الشمس وبين أن تخطب واحدة لها ثلاث وعشرون سنة، وهي كل يوم تطلع من الصباح وترجع في الظهر تعبانة تالفة، تعمل أجيرة، إذا كانت فقيرة محتاجة فإلى الله المشتكى، لكن المشكلة إذا كانت مستغنية.

قال الشيخ محمد الأمين -رحمه الله تعالى-: " ومما وقع السؤال عنه في أثناء المذاكرة ثناء أدباء الشعراء على قصار النساء كقول الشاعر:

من كان حرباً للنساء فإنني سِلم لهنّهْ
فإذا عثرنَ دعونني وإذا عثرتُ دعوتهنّهْ
وإذا برزن لمحفل فقِصارهن ملاحهنّهْ

مع أن القِصر جداً وصف مذموم، كما يدل عليه قول كعب بن زهير:

  لا يشتكى قِصرٌ منها ولا طول

ومعلوم أن كمال القامة واعتدال القدِّ وصف محمود فيهن ومما يدل على ذلك قول عمرو بن كلثوم التغلبي:

وساريتَيْ بَلَنْطٍ أو رخامٍ يرنٌّ خَشخاشُ حَلْيِهما رنينا

فكان جوابنا على المسألة أن قلنا لهم: إن القِصَر الذي يستحسنه الشعراء من النساء ليس هو القِصَر الذي ضد الطول بل هو القصر في الخيام فالقصار عندهم هن المقصورات في الخيام، العاملات بقوله تعالى:وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ[سورة الأحزاب:33] وهو معنى معقول؛ لأن الصيانة تصون ماء الملاحة ومعناها، والابتذال يذهب ذلك كله، وقد بين كُثيّر في شعره حل هذا الإشكال حيث قال:

وأنتِ التي حبّبتِ كلَّ قصيرة إليّ وما تدري بذاك القصائر
عَنيتُ قصيراتِ الحجال ولم أُرد قصارَ الخطا شرُّ النساءِ البحاترُ

 والبَحتر القصير المجتمع الخلق فالخراجة الولاجة لا ملاحة لها أبداً، وهي مذمومة عندهم ولذلك لما سمع بعض الأدباء صاحبه يستحسن قول الأعشى ميمون بن قيس:

غرّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها تمشي الهُوينى كما يمشي الوجى الوحلُ
كأنّ مشيتها من بيت جارتها مرُّ السحابة لا ريثٌ ولا عجلُ
يكاد يصرعها لولا تشدُّدُها إذا تقوم إلى جاراتِها الكسلُ
ليستْ كمن يكره الجيرانُ طلعتَها ولا تراها لسر الجار تختتِلُ

قال له: قاتلك الله تستحسن غير الحسن، هذه خرّاجة ولّاجة لا خير فيها فهي مذمومة، فهل لو قال كما قال الآخر وهو قيس بن الأسلت:

وتَكسَلُ عن جاراتها فيزرنها وتعتلُّ من إتيانهن فتُعذَرُ

 وربما حضر مذاكرتنا بعض العوام الذين لا يفهمون، ومن جهلهم أن واحداً منهم قال لنا بكلامه الدارج ما مضمونه: إنه يغبطنا ويغار منا بسبب أننا نمر بأرض السودان التي فيها موضع شريف، قلنا له: وما ذاك الموضع الشريف؟ قال: الخرطوم!! قلنا: وأي شرف للخرطوم؟ قال: لأنه مذكور في القرآن العظيم في قوله تعالى:سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [سورة القلم:16]!! فقلنا له: ذلك خرطوم آخر غير الخرطوم الذي تعني، فضحك من يفهم من الحاضرين"[1] أ.هـ.

بعض الناس -كما ذكرنا لكم من قبل- مسمٍّ ولده "خنزير" في بعض بلاد البلقان، وآخر مسمٍّ "جهنم"، و"مسجد لظى"!! مساكين، هذا يحصل عندهم ومشاهد، والشيخ -رحمه الله- يجيب بهذه الإجابات من حفظه، وهو مسافر يمر على ناس ويسألونه ويعطيهم من هذا البحر، فالكتاب في غاية الفائدة ففيه أشياء ترفع الهمم إذا قرأ الإنسان، مثل هذا مليءٌ بالعلم، ومِن حفظِه وهو مسافر، فهذا لا شك أنه يرفع همة الإنسان في العلم، وهذا المعنى لطيف وجميلحُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ، فهو كمال بمعنى أنها ليست خراجة ولاجة، وهذا يحفظ لها رونقها وبهاءها وحسنها وملاحتها، نحتاج أن يكون مثل هذا الكلام رُقية هذه الأيام يُرقى بها النساء، ومن في رأسه من وسوسة الشيطان فيظن أنه لا يمكن أن تبقى ابنته في البيت، لابد أن يبحث لها عن أي عمل المهم أنها تخرج، وربما يمتلك المليارات وبُنيته أجيرة!!!  

  1. رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، للعلامة محمد الأمين الشنقيطي (75-77).