الثلاثاء 17 / صفر / 1447 - 12 / أغسطس 2025
تَبَٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِى ٱلْجَلَٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال:تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ أي: هو أهل أن يُجلَّ فلا يُعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى.

وقال ابن عباس:ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ذي العظمة والكبرياء.

وفي الحديث الآخر:إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وذي السلطان، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه[1].

تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ هذه الصيغة تدل على الكثرة تَبَارَكَ أي عظمتْ وكثرت بركته، تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ،ذي هنا ترجع إلى الرب، فالموصوف بأنه ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ هو الرب -تبارك وتعالى- وفي قراءة ابن عامر -وهي قراءة متواترة- بالرفع تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ فيكون عائداً إلى الاسم، والاسم لا شك أن أسماء الله حسنى، ودالة على أوصاف الكمال، والله يقول: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى[سورة الأعلى:1] منهم من قال: سبِّح ربك: نزِّه ربك ذاكراً اسمه، وبعضهم يقول غير هذا، والاسم تارة يطلق ويراد به المسمى، وتارة يطلق ويراد به الاسم، وتارة يطلق ويراد به هذا وهذا، فلا شك أن أسماء الله في غاية الكمال، وتدل على أوصاف الكمال ومتضمنة لها وهي جميعاً مشتقة تدل على الصفات الكاملة، وكما قال الله :وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى[سورة الأعراف:180] فهي حسنى في ألفاظها ليس فيها لفظ ينبو عنه السمع، وحسنى في معانيها وما تضمنته من الأوصاف، وأيضاً هي أسماء لله -تبارك وتعالى-.

ذُو الْجَلالِ أو ذِي الْجَلالِ في القراءة المشهورة،وَالإكْرَامِ،الْجَلالِ فسر بالعظمة وَالإكْرَامِ، ومنهم من يفسره بأنه وَالإكْرَامِ يعني عن كل ما لا يليق بالتنزيه والتبجيل، ومنهم من فسره بمعنى أن الله يكرم أولياءه، وعباده الذين يتقربون إليه، فصار بهذا الاعتبار متعدياً، أي أن الله -تبارك وتعالى- مكرم لعباده، لأوليائه، لأهل طاعته، والمعنى الآخر ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ أن ذلك منسوب إلى الرب -تبارك وتعالى- يُكرم ويُنزَّه ويجل ويرفع أو يعظم أو يقدس عن كل ما لا يليق، تقول: يكرم فلان عن كذا، وهذه المعاني كلها حق، والله أعلم.

وقد روى الإمام أحمد عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: أَلِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام[2]، ورواه النسائي.

معنى ألظوا الْهَجوا وأكثِروا من يا ذا الجلال والإكرام، قُلها كثيراً، الحديث ثابت صحيح، أكثر من قولك: يا ذا الجلال والإكرام.

وقال الجوهري: ألظ فلان بفلان: إذا لزمه.

وقول ابن مسعود: "ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام" أي: الزموا، ويقال: الإلظاظ هو الإلحاح.

قلت: وكلاهما قريب من الآخر -والله أعلم- وهو المداومة واللزوم والإلحاح، وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث، عن عائشة -ا-، قالت: كان رسول الله ﷺ إذا سلّم لا يقعد -يعني بعد الصلاة- إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام[3].

آخر تفسير سورة الرحمن، ولله الحمد والمنة.

  1. رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم، برقم (4843)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2199).
  2. رواه الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله ﷺ، برقم (3524)، والنسائي في سننه الكبرى، برقم (11563)، وأحمد في المسند، برقم (17596)، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1250).
  3. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (591).