السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر   -رحمه الله تعالى-: تفسير سورة الواقعة وهي مكية.

قال أبو إسحاق عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، قد شبتَ؟ قال: "شيَّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعَمَّ يتساءلون، وإذا الشمس كورت"[1]، رواه الترمذي وقال: حسن غريب.

وروى الإمام أحمد عن جابر بن سَمُرَة قال: "كان رسول الله ﷺ يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر "الواقعة" ونحوها من السور"[2].

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ۝ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ۝ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ۝ إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ۝ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ۝ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ۝ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ۝ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ۝ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ۝ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[سورة الواقعة:1-12].

الواقعة: من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها، كما قال: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ[سورة الحاقة:15]، وقوله:لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌأي: ليس لوقوعها -إذا أراد الله كونها- صارف يصرفها، ولا دافع يدفعها، كما قال:اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ[سورة الشورى:47]، وقال:سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ۝ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ[سورة المعارج:1-2]، وقال تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[سورة الأنعام:73].

 فقوله -تبارك وتعالى-:إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "الواقعة من أسماء يوم القيامة"، كالطامة والصاخة والآزفة وما أشبه ذلك من الأسماء، يقول: "سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها"، لتحقق كونها قيل لها: واقعة، فهي ستقع لكنها واقعة لا محالة إن صح بهذا الاعتبار هذا الإطلاق، والمراد بالواقعة هنا القيامة، هل المقصود بها النفخة الأولى التي يصعق بها جميع الخلائق فيموتون، أو المقصود بها النفخة الثانية؟ يمكن أن يقال -والله تعالى أعلم-: إن المراد النفخ في الصور للمرة الثانية، ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله -تبارك وتعالى-:فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ۝ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ۝ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ۝ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ۝ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ۝ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ[سورة الحاقة:13-18].

هذا يكون بعد النفخة الثانية وليس النفخة الأولى، والله تعالى أعلم.

ومعنى كَاذِبَة -كما قال محمد بن كعب-: لا بد أن تكون، وقال قتادة: ليس فيها مثنوية ولا ارتداد ولا رجعة.

قال ابن جرير: والكاذبة: مصدر كالعاقبة والعافية.

ما ذكره هنا من الأقوال "لا بد أن تكون، ليس فيها مثنوية ولا ارتداد ولا رجعة"، وقول ابن جرير: "والكاذبة مصدر كالعاقبة والعافية" كل هذا يرجع إلى معنى واحد،لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ أي: إن وقوعها لا يتخلف وقوعها متحقق، فالشيء الذي يحصل ولا يتخلف، يقال فيه ذلك، فهو وقوع مؤكد محقق ليس فيه مثنوية ولا تردد لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ، واقعة لا محالة لابد أن تقع، وقول ابن جرير: والكاذبة مصدر بمعنى الكذب، يعني لا تخلف في وقوعها، يقول: "والكاذبة: مصدر كالعاقبة والعافية"، العاقبة بمعنى العقبى، والعافية بمعنى المعافاة كما أن الكاذبة بمعنى الكذب، ويمكن أن يقرب المعنى هنا بتفسير ذلك بما يشبهه وإن كان في معنى آخر وذلك قوله -تبارك وتعالى-:لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً[سورة الغاشية:11] فاللاغية هنا أيضاً كما يقال هنا الكاذبة مصدر فاللاغية أيضاً مصدر بمعنى لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا[سورة النبأ:35]، لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً، كقوله:لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا[سورة الواقعة:25] والمعنى الأول هو ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: لا تخلف لوقوعها، وقوع متحقق لا محالة يقيناً، وهذا دل عليه قوله -تبارك وتعالى- هنا ذَكرَ بعض الآيات-:اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ[سورة الشورى:47] لابد أن يقع،لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ [سورة المعارج:2]،وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ[سورة الأنعام:73]، وأشباه ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة النساء:87]، وكقوله:إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا[سورة غافر:59] فهذا معنى، والمعنى الآخر ليس في وقعة الواقعة نفس كاذبة لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ أي: مكذبة بمعنى إذا وقعت القيامة وقامت الساعة فعندئذ يعترف الناس بها، ويقرون باليوم الآخر ولا ينازعون فيه كما كانوا ينازعون في الدنيا، ويكذبون ويقولون:أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [سورة المؤمنون:82]، أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ[سورة الرعد:5]،أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [سورة ق:3] ففي الآخرة إذا قامت القيامة صدقوا واعترفوا وأقروا وأذعنوا لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ أي نفس كاذبة، عندئذ يصدق الناس جميعاً ويعترفون بذلك اليوم الذي كانوا يكذبون به، كما قال الله :لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [سورة الشعراء:201]،وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً  [سورة الحج:55] فهذا معنى، وقيل غير ذلك لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ فمن أهل العلم من يقول: لا ينبغي أن يكذب بها أحد، يعني هي أمر حكم الله به وأخبر عن وقوعه فليس لأحد أن يكذب فيه، وهذه المعاني على هذا التدريج، يعني الأقرب هو المعنى الأول، ثم يليه الثاني والثالث أبعدها، والله تعالى أعلم.

وقوله هنا:إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ "إذا" هذه ظرف مضمن معنى الشرط فقوله:إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُهل جوابهلَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ؟ يعني: إذا وقعت صدق الناس بها وأقروا ولا يكذبون وينازعون فيها أحداً؟ أو إذا وقعت الواقعة فإن وقوعها متحقق، أو يقال:إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ إذا قامت الساعة وحصل ما حصل مما أخبر الله به من انشقاق السماء وانكدار النجوم وما شابه ذلك من الأهوال والأوجال ظهر عندئذ منزلة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة كما قال الله :إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ۝ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ۝ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ۝ إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ۝ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ۝ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ۝ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ۝ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ فعندئذ يكون أصحاب الميمنة بحال من النعيم، وأصحاب المشأمة في حال من الشقاء وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فإذا قامت القيامة قامت الساعة وقعت الواقعة انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام.

  1. رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الواقعة، برقم (3297)، والحاكم في المستدرك، برقم (3314)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (955).
  2. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (20995)، وقال محققوه: صحيح لغيره، والبيهقي في السنن الكبرى، برقم (5067).