وقوله:لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ أي: لا تصدع رءوسهم ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة.
وروى الضحاك، عن ابن عباس، أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال.
وقال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَيْر، وعطية، وقتادة، والسُّدِّيّ:لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا يقول: ليس لهم فيها صداع رأس.
وقالوا في قوله:وَلا يُنزفُونَ أي: لا تذهب بعقولهم.
يقول:لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ أي: لا تصدع رءوسهم، يصدعون يحتمل أن يكون بمعنى الصداع، لا يصيبهم الصداع كما هي العادة في خمر الدنيا أن من شربها أصابه الصداع وهو وجع الرأس، وهذا هو المعنى المتبادر، ويحتمل أن يكون المعنى لا يُصَدَّعُونَ أي لا يتفرقون بعدها كما يتفرق الشُّراب عادة في الدنيا، يشربون يجتمعون على خمرة على كأس ثم بعد ذلك يتفرقون بعدها فينقضي أنسهم ولذتهم، فهؤلاء لا يتفرقون، وقد يؤيد ذلك قراءة لمجاهد غير متواترة "بفتح الياء" لا يَصَّدَّعون بمعنى لا يتفرقون، كما قال الله في اليوم الآخر:يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ[سورة الروم:43]، فالحاصل أنه يحتمل هذا المعنى، لكن المعنى الغالب وعليه القراءة المتواترة هو ما سبق، يعني لا يصيبهم الصداع، قال:وَلَا يُنزِفُونَ يعني لا تذهب عقولهم، قال بل هي ثابتة مع الشدة المطربة؛ لأن اللذة إذا بلغت غايتها فإن العقل يستنزف معها ويذهب، فلذلك يذهب عقل صاحب السكر، فهذه تُبقى لهم عقولهم مع غاية اللذة، وهذا يدل على أن الله ينشئ الناس في الآخرة نشأة أخرى، فيجتمع لهم هذا وهذا وإلا فالعقل لا يحتمل كمال اللذة، فإنه يرتفع معها ولا يشعر بشيء، فيقول هنا: قال مجاهد وعكرمة لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا يقول: "ليس لهم فيها صداع رأس" قال:وَلَا يُنزِفُونَ "أي: لا تذهب عقولهم" لا يصدعون عنها، ويحتمل أن يكون المعنى لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وينزِفون بكسر "الزاي" يعني لا يذهب شرابهم وينتهي كما ينتهي شراب أهل الدنيا، فتحتمل هذا المعنى لا ينقضي شرابهم، وبهذا فسرها ابن جرير وَلَا يُنزِفُونَ ما ينتهي ما عندهم من الشراب، والقراءة الأخرى المتواترة وَلَا يُنزِفُونَ بمعنى تذهب عقولهم.