السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
وَحُورٌ عِينٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى:وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، روى الإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ:إن طير الجنة كأمثال البخت، يرعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن هذه لطير ناعمة فقال:أكَلَتُها أنعمُ منها -قالها ثلاثا- وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها[1]، تفرد به أحمد من هذا الوجه.

 فقوله -رحمه الله- تعليقاً على قوله تعالى:وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ يقول: "هذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها" يعني: أن الطعام إن كان لوناً واحداً فإن الإنسان يأكل مما يليه كما قال النبي ﷺ:سمِّ الله يا غلام وكل مما يليك[2]، وإذا كان الطعام متنوعاً سواء كان فاكهة أو غير فاكهة فإن الإنسان يأكل مما يليه ومن غيره مما يتخيره، يقول:وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ، إذا كانت الفاكهة نوعاً واحداً فإن الإنسان يأكل مما يليه، ولا حاجة إلى أن يمد يده ليأكل من أمام الآخرين؛ لأن هذا لا معنى له إلا عدم التهذيب في آداب الطعام والشراب، وهذا أمر لا إشكال فيه، والنبي ﷺ ثبت عنه في السنة ما يدل على هذا المعنى: أن الطعام إن كان واحداً فإن الإنسان يأكل مما يليه، إنما هو طعام واحد[3]، وإذا كان متعدداً فإن النبي ﷺ كان يوجه ويرشد إلى أن الإنسان يأكل من حيث شاء، فالفاكهة ليس بإطلاقها أن الإنسان يأكل متخيراً هذا إذا كانت متنوعة، فالرطب فاكهة فهل يأكل الإنسان مما يلي الآخر مثلاً؟، إنما يأكل مما يليه، والمقصود هنا وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أنها أنواع، فأي نوع اختاره فهو موجود مبذول بين يديه، ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بهذه الرؤيا وهو حديث ثابت صحيح، ثم بعد ذلك تكلم على قوله تعالى:وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَهذا وجرت عادة كثير من المفسرين، وممن يتكلم على بعض القضايا المتعلقة بمصالح الإنسان من مأكله ومشربه ونحو ذلك، يقولون: إن الإنسان يبدأ بالفاكهة ثم بعد ذلك يأكل اللحم بعدها؛ لأن الله قال:وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ۝ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وهذا فيه نظر؛ لأن "الواو" لا تقتضي الترتيب، فالله يعدد نعيم أهل الجنة فما عسى أن يقال؟، وكيف سيذكر هذا النعيم المتعدد المتنوع؟ لابد أن يذكر بهذه الطريقة، يقال: فيها كذا، وفيها كذا، وفيها كذا، لمّا يقول:وَحُورٌ عِينٌ[سورة الواقعة:22] أيضاً الحور العين تؤكل؟! فهذا تعداد لنعيم الجنة، و"الواو" لا تقتضي الترتيب، ولذلك فإن هذه الآية لا تعني أن الفاكهة تؤكل قبل اللحم أو تؤكل بعده، بل إن الأطباء يقولون: إن الجمع بين الفاكهة وبين اللحم يضر الإنسان، ويسبب له تلبكاً، وأما الفاكهة فسهلة الهضم، والمقصود أن هذه الآية يعدد فيها نعيم أهل الجنة، ولا حاجة للتكلف في مثل تلك الفهوم فيقال: الفاكهة تؤكل أولاً ثم اللحم بعدها، والله أعلم.

في قوله: "كأمثال البخت" يعني: الإبل البختية، وهي ضخمة كما هو معروف، قال: "إن هذه لطير ناعمة"، ومعنى ناعمة يعني منعمة بمعنى أنها صارت بهذه المثابة.

وقوله تعالى:كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ[سورة الواقعة:23] أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه، كما تقدم في "سورة الصافات" كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ[سورة الصافات:49]، وقد تقدم في سورة الرحمن وصفهن أيضا؛ ولهذا قال:جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الواقعة:24] أي: هذا الذي أتحفناهم به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.

بقيت بقية: فالله في هذه الآيات يقول:وَحُورٌ عِينٌ ۝ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ والحور المراد بها العيْن التي بها حَوَر، أي شدة البياض مع شدة السواد، ومن أهل العلم من يقول: إنه ميل قليل في العين يورثها ملاحة، يعني: إذا زاد الميل فهو الحَول فإن هذا ليس بمليح، لكن أحياناً يكون ميلاً يسيراً جداً يورث العين ملاحة، فمن أهل العلم من فسر الحَوَر بهذا، والمشهور -والله تعالى أعلم- هو شدة البياض مع شدة السواد، والعِين يعني واسعة الأعين، جمع عيناء، وهذه غاية الجمال في العين.

كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ المكنون يعني: المحفوظ المصون في أصدافه، الذي لم تمسه الأيدي، ولم يقع عليه غبار؛ وذلك لشدة صفائهن حتى إن مخ ساقها ليُرى من وراء الجلد أو اللحم.

  1. رواه أحمد في المسند، برقم (13311)، وقال محققوه: صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2514).
  2. رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، برقم (5061)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (2022).
  3. رواه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله ﷺ، باب في ترك الوضوء قبل الطعام، برقم (1848)، وابن ماجه عن عكراش بن ذؤيب قال أتي النبي ﷺ بجفنة كثيرة الثريد والودك، فأقبلنا نأكل منها، فخبطت يدي في نواحيها، فقال: ياعكراش كُلْ من موضع واحد فإنه طعام واحد ...، كتاب الأطعمة، باب الأكل مما يليك، برقم (3274)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (5098).