الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَفَٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ۝ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ[سورة الواقعة:32-33]، أي: وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا[سورة البقرة:25] أي: يشبه الشكلُ الشكلَ، ولكن الطعم غير الطعم، وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى قال:فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثل قلال هجر[1].

وفيهما أيضًا عن ابن عباس -ا- قال: خُسِفَت الشمس، فصلى رسولُ الله ﷺ والناس معه، فذكر الصلاة، وفيه قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، قال:إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا[2].

 فقوله -تبارك وتعالى-:وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ۝ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ يعني: أنها لا تنفد ولا تكون في وقت دون وقت كما هي الفاكهة في الدنيا، تكون في الشتاء أو في الصيف،وَلَا مَمْنُوعَةٍ ليست بعيدة عن متناولهم، وليس بينهم وبينها ما يحول دونها من شوك أو أذى أو منع أو حجز وحجر عليها كما هو الحال في بساتين الدنيا مثلاً، وإنما هي متاحة لهم في كل حين، فقولهم: "مقطوعة وممنوعة" يشمل جميع المعاني التي ذكرها السلف، وذكروا ما ذكروا من باب التقريب والتمثيل، والله تعالى أعلم.

وقوله:كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قال المفسر -رحمه الله- هنا: أي: يشبه الشكلُ الشكلَ، وفيه معنى آخر وهو أنها تشبه ثمار الدنيا في الصورة، ولكنها تختلف في الطعم، يعني القول الأول أن ما جاءهم من الثمار يشبه ما جاءهم قبله في الجنة،كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ يعني في الجنة فثمار الجنة تتشابه في أشكالها، وتختلف في طعومها، والمعنى الآخر مِنْ قَبْلُ أي في الدنيا، والله أعلم.

وروى الإمام أحمد عن عتبة بن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ، فسأله عن الحوض وذكر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى، فذكر شيئًا لا أدري ما هو، قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال:ليست تشبه شيئا من شجر أرضك، فقال النبي ﷺ:أتيتَ الشام؟، قال: لا، قال:تشبه شجرة بالشام تدعى الجَوزة، تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها، قال: ما عِظَم أصلها؟ قال:لو ارتحلت جَذعَة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا، قال: فيها عنب؟ قال:نعم، قال: فما عِظَم العنقود؟ قال:مسيرة شهر للغراب الأبقع، ولا يفتر، قال: فما عِظَم الحَبَّة؟ قال:هل ذبح أبوك تيسًا من غنمه قط عظيمًا؟، قال: نعم، قال:فسلخ إهابه فأعطاه أمك، فقال: اتخذي لنا منه دلوًا؟، قال: نعم، قال الأعرابي: فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال:نعم وعامَّة عشيرتك[3].

هذا الحديث فيه ضعف، ولكن ضعفه غير شديد، وهو محتمل للتحسين.

وقوله تعالى:لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ أي: لا تنقطع شتاء ولا صيفًا، بل أكلها دائم مستمر أبدًا، مهما طلبوا وجدوا، لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء.

قال قتادة: لا يمنعهم من تناولها عودٌ ولا شوكٌ ولا بُعدٌ، وقد تقدم في الحديث:إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أخرى[4].

 

 

  1. رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج، برقم (3674).
  2. رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة، برقم (1004)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم (907).
  3. رواه أحمد في المسند، برقم (17642)، وقال محققوه: إسناده قابل للتحسين، وابن حبان في صحيحه، برقم (7416)، وقال الأرنؤوط: صحيح لغيره، وكذا قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (3729).
  4. رواه الطبراني في المعجم الكبير عن ثوبان بلفظ: ((إن الرجل إذا نزع من الجنة عادت مكانها أخرى))، برقم (1449)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (1446).