الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسًّا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا أي: فُتِّتَتْ فَتًّا، قاله ابن عباس -ا-، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وغيرهم.

هذا هو المعنى المتبادر المشهور الذي عبر به أكثر المفسرين وَبُسَّتِ أي: فتتت، ومنه البسيسة تُفتت بمعنى البسيسة عبارة عن دقيق ملتوت بسمن ونحوه يفتت فهو ليس كتلة جامدة صلبة، وإنما مفتت فيه لين وَبُسَّتِ الْجِبَالُ هذه الصلبة القاسية فتصير بهذه المثابة، كما قال الله :كَثِيبًا مَّهِيلًا[سورة المزمل:14] يعني: رملاً متهايلاً، الرمل المتهايل إذا حركت طرفاً منه تداعى باقيه، هذا الرمل المتهايل الكثيب تحرك طرفاً منه يتهايل الباقي، وأخبر الله تعالى أنها تكون كالعهن المنفوش، يعني: الصوف المنفوش الذي يتطاير، والله أخبر عن الجبال بأمور متعددة في مواضع من القرآن، فالجبال تقلع من أماكنها، وتتفتت حتى تصير هباءً منبثاً، وتسير بين السماء والأرض، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ[سورة النبأ:20]، فلا يبقى لها أثر حتى تصير كالسراب الذي لا حقيقة له، وإنما يتراءى للناظر فحسب،وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا، وقوله هنا:وَبُسَّتِ الْجِبَالُ هذا المعنى الذي ذكره الحافظ -رحمه الله- هو الأشهر، ويحتمل أن يكون ذلك بمعنى التسيير، ويكون مفسراً بقوله:وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فالعرب تعبر بالبس عن التسيير، تقول: بَسستُ الإبل، بمعنى سقتُها وسيّرتُها، وهذا المعنى يحتمل، ويمكن أن يفسر البس بالتسيير، ويمكن أن يفسر بالتفتت، وهذا كله من الأشياء التي تحصل وتتحقق في يوم القيامة بالنسبة للجبال، فقوله:كَثِيبًا مَّهِيلًا يدل على هذا المعنى و كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [سورة القارعة:5] يدل على التفتيت،وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ هذا يدل على المعنى الآخر.