فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ[سورة الواقعة:54-55]، وهي الإبل العطاش، واحدها أهيم، والأنثى هيماء، ويقال: هائم وهائمة.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وعكرمة: الهِيم: الإبل العِطاش الظِّماء.
وعن عكرمة أنه قال: الهيم: الإبل المِراض، تَمص الماء مَصًّا ولا تَرْوَى.
وقال السدي: الهيم: داء يأخذ الإبل فلا تَرْوَى أبدًا حتى تموت، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبدًا.
ثم قال تعالى:هَذَا نزلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ أي: هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم، كما قال في حق المؤمنين:إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا[سورة الكهف:107] أي: ضيافة وكرامة.
فقوله -تبارك وتعالى-:فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ قال: "هي الإبل العطاش" هذا هو المشهور الذي عليه عامة المفسرين سلفاً وخلفاً، ومنهم من فسره بغير ذلك، ومنهم من فسره بالرَّمْل فالأرض الرملية مهما صببت فيها من الماء فإنها تبتلعه ولا تكتفي به كما هو معلوم، وصاحب الصحاح أعني الجوهري يقول: إن "الهُيام" بضم الهاء، يعني: يبدو أن الكلمة في لغة العرب تطلق على أمور متعددة، فالهُيام هو أشد العطش، ومنه يقال: الإبل الِِِِِِِِِهيم، يعني: العطشى، شديدة العطش، وهكذا أيضاً يطلق على العشق الشديد الذي يذهب بعقل صاحبه، يقال: فلان يهيم بفلانة، هام بها كأنه أصابه شيء في عقله، والداء الذي يصيب الإبل فلا ترتوي يقال له: الهُيام، والواحدة يقال لها: هَيْماء وهكذا المفازة التي ليس فيها ماء يقال لها ذلك، ويقال: "الهَيَام بفتح "الهاء" هو الرمل وارتباطه بالمعنى ظاهر مهما صببت فيه من الماء فإنه لا يبقى فيه شيء، وكذلك أيضاً في صفته الرمل المتهايل الذي لا يتماسك يقال له: هَيَام بالفتح، يتهَايل كَثِيبًا مَّهِيلًا[سورة المزمل:14] يقال له: هَيامَ، والهِيَام بكسر "الهاء" أيضاً يقال للإبل العطشى، والله أعلم.
قال:هَذَا نزلُهُمْ الأصل أن النزل هو ما يعد للضيف، أول ما يتحف به الضيف ليأكله يقال له: نُزُل، وهنا عبر به عن العذاب والمفسرون يقولون: هذا من باب التهكم بهم، كما يقال في التحية إذا استُعملت في غير معناها:
تحيةُ بينِهم ضربٌ وجيعُ |
ونحو ذلك، فأول ما يقدم لهم في النار هو هذا، نسأل الله العافية.