قال تعالى:نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ[سورة الواقعة:58-62].
يقول تعالى مُقررًا للمعاد، ورادًّا على المكذبين به من أهل الزيغ والإلحاد، من الذين قالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ[سورة الصافات:16]، وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والاستبعاد، فقال تعالى:نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ أي: نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى؟!؛ فلهذا قال:فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي: فهلا تصدقون بالبعث!.
فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ فـ"لولا" هذه للتحضيض، فإذا كانت لأمر قد فات ولا يمكن استدراكه فهي للتبكيت،فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ[سورة هود:116]، هذه للتبكيت فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ[سورة الأنعام:43] انتهوا هلكوا فهي للتبكيت، وأما إذا كانت لأمر مستقبل أو ما يمكن استدراكه فإنها تكون للتحضيض كما هنا فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ "هلا تصدقون بالبعث"، الآية تحتمل أن يكون المراد فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ يعني أنا خلقناكم لكن هنا قال: "هلا تصدقون بالبعث" الذي جعله يقول بهذا أمران:
الأمر الأول: أنهم لا ينكرون أن الله هو الذي خلقهم وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[سورة لقمان:25].
الأمر الآخر: أنه جرت عادة القرآن أن يستدل بالنشأة الأولى على النشأة الثانية، ويقول: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْنحن الذين ابتدأنا خلقكم وأوجدناكمفَلَوْلا تُصَدِّقُونَ"أي: فهلا تصدقون بالبعث" أنا نعيدكم مرة أخرى كما ابتدأنا خلقكم، ولم نعجز عن ذلك، فهذا أقرب من قول من قال: إن المراد:فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أنا خلقناكم، مع أن البعث لم يجرِ له ذكر هنا، لكن هذا يفهم من هذه القرائن، والله تعالى أعلم.