قال السُّدِّيّ: وهم جمهور أهل الجنة.
يعني: أكثر أهل الجنة من أصحاب اليمين، فالدليل على أنهم أكثر أهل الجنة قوله:وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ[سورة الواقعة:40]، وقال في السابقين ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ[سورة الواقعة:13-14]، فهؤلاء أكثر أهل الجنة بينما في السابقين: قليل من الآخرين، فأكثر أهل الجنة من أصحاب اليمين، وليسوا من السابقين.
ذكر المعاني الأربعة في أصحاب الشمال، ومن أهل العلم من يقول: العرب تعبر باليمين والشمال عن الرفيع والوضيع، فالمعاني التي ذكرها هنا أقرب، والله أعلم.
يعني: هذا الاستفهامفَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ يراد به التعجب، والتعظيم أيضاً والتفخيم الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ[سورة الحاقة:1-2] فمثل هذا الذي يذكر مبهماً هكذا يكون أوقع في النفس وأفخم سواءً كان في مقام الوعيد أو كان في مقام الترغيب أو كان في مقام المدح والثناء، ويترك للسامع أن يتصور ما تحته من معانٍ، فيسرح الذهن في تصور ذلك،فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ بعض الناس يقول مثلاً: أنا الذي تعرفني، ما يحتاج أن يشرح، ولا يفصل كقول الشاعر: "وشِعري شِعري" يعني: شعري شعري الذي تعرفونه، يقول: "قلمي قلمي"، يقول: إذا كتبت عرفتم كتابتي، يعني فقلمي الذي تعرفون فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ.
مع وجود فارق فإن أصحاب المشأمةأَصْحَابُ الشِّمَالِ[سورة الواقعة:41] هؤلاء هم الكفار الذين يؤتون كتابهم بشمالهم، وفي هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ هي في طوائف هذه الأمة، يعني أمة الإجابة؛ لأنه قال بعدها:جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا[سورة فاطر:33]، فالجمع بهذه "الواو" يدل على أن الطوائف الثلاث تدخل الجنة،فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ولهذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه "الواو" أن تكتب بماء العينين؛ لأنها جمعت طوائف الأمة الثلاث، كلهم يدخلون الجنة.
وقال محمد بن كعب وأبو حَرْزَةَ يعقوب بن مجاهد:وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ: هم الأنبياء -عليهم السلام-، وقال السُّدِّيّ: هم أهل عليين.
هذا من قبيل التفسير بالمثال، وقد لا يريد قائله الحصر، وإنما أراد أن يمثل من هم السابقون،فقال:الأنبياء،الرسل، الصديقون، فيقرب المعنى بذلك وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، يقال فيه كما سبق، يعني السابقون هم الذين اشتهرت حالهم بهذا وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ لا يحتاج إلى أن يفصل ويصف،وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ لا تسأل عن حالهم ومعينهم، السابق هو السابق، تقول: المجتهد هو المجتهد وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، ويحتمل: السابقون إلى الإيمان والعمل الصالح هم السابقون إلى الجنة.
السَّابِقُونَ هم الذين يبادرون بفعل الخير، يفعلون الواجبات والمستحبات، ويتركون المحرمات والمشتبهات والمكروهات، ومن كان يبادر ويفعل النوافل، ولكنه يعصي الله ويتبع هواه فإن هذا لا يكون من السابقين، والله تعالى أعلم.