الأحد 03 / محرّم / 1447 - 29 / يونيو 2025
فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ۝ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ۝ فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ ۝ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ۝ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ۝ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ[سورة الواقعة:88-96].

هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم: إما أن يكون من المقربين، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر الله؛ ولهذا قال تعالى:فَأَمَّا إِنْ كَانَأي: المحتضر، مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات،فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ أي: فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما تقدم في حديث البراء: أن ملائكة الرحمة تقول:أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان[1].

قال علي بن طلحة، عن ابن عباس:فَرَوْحٌ يقول: راحة وريحان، يقول: مستراحة.

وكذا قال مجاهد: إن الرَّوْح: الاستراحة.

وقال أبو حَزْرَة: الراحة من الدنيا، وقال سعيد بن جُبَيْر، والسدي: الروْح: الفرح. وعن مجاهد:فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ:جنة ورخاء، وقال قتادة: فروح ورحمة، وقال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير:وَرَيْحَانٌ: ورزق.

وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة، فإن من مات مقرّبًا حصل له جميعُ ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة، والفرح والسرور والرزق الحسن.

فقوله -تبارك وتعالى-:فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ هذه المعاني التي أوردها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في معنى فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ بالحياة الطيبة أو غير ذلك مما ذكر كلها متقاربة، كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- لأن الروْح إذا قال الإنسان: وجدت روْحاً فإن هذا يدل على الراحة، ويدل على السعة، ويدل على الحياة الطيبة إذا وجد الإنسان شيئاً يستروح به من كرب الحر من النسيم البارد مثلاً، يقول: وجدت روحاً وهكذا فهذه المعاني التي يذكرونها كلها ترجع إلى هذا، وهكذا فعل ابن جرير -رحمه الله- جمع بينها، فهذا كله من قبيل اختلاف التنوع، ولا يحتاج معه إلى ترجيح، والريحان فُسر بمعانٍ تقارب ذلك، والمعنى الأخير الذي ذكره وقال: وريحان: رزق كما مضى في سورة الرحمن، ويعني رزقاً في الجنة، فروح وريحان، روح أي سعة، ونعيم وبهجة وسرور وراحة، فالجنة دار الكرامة والراحة والبهجة والسعة، ففيها السعة والبرودة، روْح، والريحان فسر بالرزق وفسر بالرحمة، وفسر بالريحان المعروف، وابن جرير -رحمه الله- يفسره بهذا، يقول: إن الإنسان عند الموت تبشره الملائكة بهذا، وتأتيه بغصن من الجنة غصن ريحان فلا يموت إلا وقد عرف إلى أي شيء يصير فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ، ومثل هذا يعبر به فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌإلى ما يصير إليه من محل الكرامة واللذة والحبور والسعة، والنعيم والمكان الطيب، والله تعالى أعلم.

وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وقال أبو العالية: لا يفارق أحد من المقربين حتى يُؤْتَى بغصن من ريحان الجنة، فيقبض روحه فيه.

وقال محمد بن كعب: لا يموت أحدٌ من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار.

وفي الصحيح: أن رسول الله ﷺ قال:إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش[2]، الحديث.

روى الإمام أحمد عن عطاء بن السائب قال: كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى: رأيت شيخًا أبيض الرأس واللحية على حمار، وهو يتبع جنازة، فسمعته يقول: حدثني فلان بن فلان، سمع رسول الله ﷺ يقول:من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قال: فأكب القوم يبكون فقال:ما يُبكيكم؟، فقالوا: إنا نكره الموت، قال:ليس ذاك، ولكنه إذا حُضِر فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، فإذا بُشِّر بذلك أحب لقاء الله ، والله، ، للقائه أحب وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ۝ فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ ۝ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ فإذا بُشِّر بذلك كره لقاء الله، والله للقائه أكره[3].

هكذا رواه الإمام أحمد، وفي الصحيح عن عائشة -ا- شاهد لمعناه.

  1. رواه النسائي، كتاب الجنائز، باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه، برقم (1833)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد، برقم (4262)، وأحمد في المسند، برقم (8769)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، كلهم من حديث أبي هريرة ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1309).
  2. رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، برقم (1887).
  3. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، برقم (6142)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، برقم (2684)، وأحمد في المسند واللفظ له، برقم (18283)، وقال محققوه: إسناده حسن.