الإثنين 19 / ذو الحجة / 1446 - 16 / يونيو 2025
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ ٱلْأَمَانِىُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ أي: ينادي المنافقون المؤمنين: أما كنا معكم في الدار الدنيا، نشهد معكم الجمعات، ونصلي معكم الجماعات، ونقف معكم بعرفات، ونحضر معكم الغزوات، ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ قَالُوا بَلَى أي: فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى، قد كنتم معنا،وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ، قال قتادة:وَتَرَبَّصْتُمْبالحق وأهله،وَارْتَبْتُمْ أي:بالبعث بعد الموت وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ أي: قلتم: سيغفر لنا، وقيل: غرتكم الدنيا حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ أي: ما زلتم في هذا حتى جاء الموت وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أي: الشيطان.

وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ كل ما كان يغرهم في الدنيا من الأشياء التي تتعلق بها نفوسهم، وتنجذب إليها سواء كان ذلك من التمنية بالتوبة، وصلاح الحال أو كان ذلك بالأماني الفارغة، أنهم سيكونون في الآخرة مع المؤمنين، أو ما كانوا يتوهمونه أنهم سيحلفون لله كما كانوا يحلفون في الدنيا ثم بعد ذلك تحصل لهم النجاة، ولهذا إذا قاموا من قبورهم يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ[سورة المجادلة:18]، يعني: كما أن الحلف هذا نجاهم من الأمور التي تضيق بهم في الدنيا، يظنون أنه ينجيهم عند الله  في الآخرة، فهذا كله من الأماني وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، وهو الشيطان،حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ مازلتم على هذا حتى جاء أمر الله، فالمشهور عند أهل العلم أن المقصود به الموت، كما اختاره الحافظ ابن كثير هنا، وهو اختيار ابن جرير قبله، واختاره جماعة كالشنقيطي -رحمه الله-، ومن أهل العلم من قال: المراد بـ أَمْرُ اللَّهِ يعني: الآخرة حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ، ويبدو -والله أعلم- أنه لا منافاة بين القولين؛ لأن من مات فقد قامت قيامته، ويكون قد عاين من الحقائق وانكشف عنه الغطاء، وعرف حاله وما يئول إليه، فهذه آخرته قد دخل فيها.

قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار.

ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين: إنكم كنتم معنا أي: بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تُراءون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا.

ومن الأماني التي يمكن أن يفسر بها قوله:وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ: ما كانوا يؤملونه من دحر الإسلام والقضاء على المسلمين، وأن المسألة مسألة وقت، ثم ينتهي كل شيء كما كانوا يتعاضدون مع المشركين ويحرضون الروم على قتالهم ويأملون استئصالهم، والقضاء على دين الله ، لما وقعت غزوة بدر قال عبد الله بن أبيّ -وكان ذلك أول النفاق-: هذا أمر قد توجه، فادخلوا فيه علانية وأبطنوا الكفر سرا، هذا أمر قد توجه: يعني ما عادت الأمور كما كانت قبل غزوة بدر، فالمسلمون حققوا انتصارا كبيرا وقتلوا رءوس المشركين من أهل مكة، ولم تكن المسألة مجرد دعوة في المدينة فحسب.

قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا، ويُعطَون النور جميعًا يوم القيامة، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويُماز بينهم حينئذ.