الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَىٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ۝ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ۝ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [سورة الأنعام:46-49].
يقول الله تعالى لرسوله ﷺ قل لهؤلاء المكذبين المعاندين: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ أي: سلبكم إياها كما أعطاكموها، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ الآية [سورة الملك:23].
ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما الانتفاع الشرعي ولهذا قال: وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم [سورة الأنعام:46] كما قال: أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ [سورة يونس:31] وقال: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [سورة الأنفال:24].
وقوله: مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ [سورة الأنعام:46] أي: هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه الله منكم؟ لا يقدر على ذلك أحد سواه، ولهذا قال: انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ أي: نبينها، ونوضحها، ونفسرها دالة على أنه لا إله إلا الله، وأن ما يعبدون من دونه باطل، وضلال.
ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ أي: ثم هم بعد هذا البيان يصدفون: أي يعرضون عن الحق، ويصدون الناس عن اتِّباعه.
وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً [سورة الأنعام:47] أي: وأنتم لا تشعرون حتى بغتكم، وفاجأكم أَوْ جَهْرَةً أي: ظاهراً عياناً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [سورة الأنعام:47] أي: إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله، وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة الأنعام:48] كقوله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ الآية [سورة الأنعام:82]".

فقوله - تبارك وتعالى -: قُلْ أَرَأَيْتُمْ [سورة الأنعام:46] يعني أخبروني.
وقوله: إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً [سورة الأنعام:47] فسر البغتة هنا: أي وهم في غفلة لا يشعرون بذلك، أي: يأخذهم أخذاً مفاجئاً لهم، وقد فسره بعض السلف بأن المراد به أن يأخذهم ليلاً، وأن الجهرة أن يأخذهم نهاراً، لكن ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المعنى هنا أشمل وأتم؛ وذلك أن البغتة هي أخذ الفجأة، يعني من غير مقدمات، ومن غير أن تتهيأ نفوسهم لاستقبال العذاب.
والله - تبارك وتعالى - ذكر في القرآن كيف يأخذهم فقال: بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا [سورة يونس:50] فأخْذه بياتاً هو من أخذ الغفلة في الغالب؛ لأنهم في نوم لا يطالعون مقدمات العذاب وأسبابه، وقد يكون الأخذ بالنهار أيضاً بغتة؛ لأن الله ذكر ذلك أيضاً فقال: ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ [سورة الأعراف:98] أي: وهم في حال غفلتهم ينزل بهم العذاب مفاجئاً لهم.
والمقصود أن البغتة هي الأخذ بالعذاب من غير معرفة بمقدماته، فيكون مباغتاً لهم، وأما الجهرة فهي أن يأخذهم العذاب حينما تنعقد أسبابه، ويشاهدون ذلك، والله تعالى أعلم.

مرات الإستماع: 0

"قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ [الأنعام: 47] الآية: وعيد، وتهديد، والبغتة ما لم يتقدم لهم شعور به، والجهرة ما بدت لهم مخايله.، وقيل: بغتة بالليل، وجهرة بالنهار."

كما قال الله : بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا [يونس: 50] فالبيات بالليل، والمقصود يعني هنا لفظ البغتة يدل على المفاجأة، فمن قال إن ذلك يكون في الليل، يستدل بدليلين:

الأول: بَيَاتًا. الآية الأخرى: والقرآن يفسر بعضه بعضًا.

والأمر الثاني: وهو أن ذلك يكون عادةً مما يفجأهم؛ لأنهم غارون في غفلة، وفي نوم، فهذا وجه حمل ذلك على الليل، ولكن المعنى الذي ذكره أولاً ابن جزي، قال: البغتة ما لم يتقدم لهم شعور به، والجهرة ما بدت لهم مخايله، من حمله على النهار، قال: وفي النهار يشاهدون، وهم متيقظون، ومنتشرون، ومن نظر إلى مجرد اللفظ المباغتة، بغتة يدل على المباغتة، فهذه المباغتة قد تحصل لهم ليلاً، أو نهارًا، ويقابله ما ظهرت لهم أماراته، وعلاماته، فقال: هذا هو الجهرة، يعني: له مقدمات، ومن نظر إلى المعنى السابق، قال: البغتة بياتًا في ليلهم، وهم غارقون غارون، والجهرة تكون في النهار، والمقصود: أنه يأخذهم من غير شعور بالأخذ، والعذاب، فيبغتهم، ويفجأهم به، أو يكون ذلك معاينةً بما يشاهدون، ويرون من العذاب بأعينهم، فينزل بهم، ويحل بساحتهم - والله تعالى أعلم -.